فكل الذي أظهرتم من فعالكم ... دليل على تصديق خبث الموالد
فكم نعمة صارت لضيق صدوركم ... مبرأة من كل مثن وحامد
فقد اعتذر لأرباب الجحود كما ترى، وإن كان إلا أحدهم. على أنه ما عدا أن أخذ أصل هذا المعنى من قول حبيب:
كم نعمة لله كانت عنده ... فكأنما في غربة وإسار
كسيت سبائب لؤمه فتضاءلت ... كتضاؤل الحسناء في الأطمار
وقد زعم بعضهم أنا أبا تمام لم يكن يحسن الهجاء، مثل هذا من شعره يبطل ذلك الزعم. وإنما كان يترفع عن سفساف الهجاء.
كسبتم يسارًأ واكتسبتم ببخلكم ... شنارًا عليكم باقيا غير بائد
فإن هي زالت عنكم فزوالها ... يجدد إنعامًا على كل ماجد
وكان ابن الرومي رحمه الله مولعًا بالدعاء على أهل النعمة الحارمين له من المشاركة فيها بنصيب بزعمه.
فلو أن وهبا كان أعدى أكفكم ... على البخل من جوادسته بالأوابد
لظلت على العافين أسمح بالندى ... من الهاطلات البارقات الرواعد
واعلم أصلحك الله أن الهجاء يتمم المدح في كليات المعاني. كقول زهير مثلًا:
قد جعل المبتغون الخير من هرمٍ ... والسائلون إلى أبوابه طرقًا
أغر أبلج فياض يفكك عن ... أيدي العناة وعن أعناقها الربقا
ثم قال:
هذا وليس كمن يعيا بخطته ... وسط الندى إذا ما ناطق نطقا