ذلك بأن الهجاء المقذع بضروب الانحلال أو الانحراف الجنسي كان طريقًا سابلًا. وقد نظم فيه أبو الطيب من قبل، من ذلك قوله في ابن كيغلغ:
يحمي ابن كيغلغ الطريق وعرسه ... ما بين رجليها الطريق الأعظم
ولا يفتأ الشراح ينبهوننا أنه أخذ هذا من قول ابن الرومي:
وتبيت بين مقابل ومدابر ... مثل الطريق لمقبل ولمدبر
كأجيري المنشار يعتورانه ... متداوليه في قضيب صنوبر
أنا زوجة الأعمى المباح حريمه ... أنا عرس ذي القرنين لا الإسكندر
عني بذي القرنين الديوث، يسبونه يقولون له ذو القرنين -قال ابن الرومي أعني ذلك ولا أعني ذا القرنين.
ويتيمة الدهر، وهو ديوان مختارات عصر المتنبي التي اختارها أبو منصور الثعالبي مملوء بشعر الهجاء الرفثي القدر. وفي أول الجزء الثالث شعر ابن سمرة وابن حجاج ومن عجب أن الثعالبي سكت فيما أورد من شعر الأول عن بيتي كافات الشتاء وما أحسب أنه فعل ذلك عن استبشاع لهما فقد أورد له بشاعات مثل قوله يهجو:
قل للكويتب عني ... بأي أير تنيك
والأير منك صغير ... نضو ضعيف ركيك
شارك بأيرك أيري ... ونك فنعم الشريك
وكافات الشتاء هي التي أشار إليها الحريري حيث قال على لسان أبي زيد يخاطب الحرث بن همام: «وأما كافات الشتوة فسبحان من طبع على ذهنك وأوهى وعاء حزنك حتى أنسيت ما أنشدنك بالدسكرة لابن سكرة.
جاء الشتاء وعندي من حوائجه ... سبعٌ إذا القطر عن حاجاتنا احتسبا
كن وكيس وكانون وكأس طلا ... بعد الكباب وكس ناعم وكسا»