جعل لها عنقًا ممدودًا مطأطئًا كما يمد البعير جرانه، وليس في هذا تأنيث أو تخنيث ولكن صفة قلب ميت وخيم يرى ذلك في عيني صاحبه ورقبته وجنبيه. وفي شواهد سيبويه من جيد الشعر فرائد تستحق أن يفرد بابٌ أو كتاب لدرسها درسًا فنيًا إذ أكثر ما يشتغل الناس بإعرابها وغرائبها. وقد نبه قدامة على قوله:
إن يغدروا أو يفجروا ... أو يقتلوا لا يحفلوا
يغدوا عليك مرجلين ... كأنهم لم يفعلوا
ومن جيد الهجاء قول حميد بن ثور:
باتوا وجلتنا السهريز بينهم ... كأن أظفارهم فيها السكاكين
فأصبحوا والنوى عالي معرسهم ... وليس كل النوى تلقى المساكين
وقول الآخر:
خناثي يأكلون التمر ليسوا بزوجات يلدن ولا رجال
فهذا في نحو معناه قول أبي العتاهية غير أنه ليس بركيك خنث. وقد ذهب أبو الطيب هذا المذهب في هجائه كافورًا حيث قال:
من كل رخو وكاء البطن منفتق ... لا في الرجال ولا النسوان معدود
وقد مدحه وذل له حين احتاج إلى رضاه ودراهمه وزعموا أن أبا الطيب قتله هجاؤه فاتكًا بكلمته البائية:
ما أنصف القوم ضبة ... وأمه الطرطبة
وفها أبيات جياد. وقال العكبري إنه كان لا يعرف التعريض كان جاهلًا. أحسب ذلك لذكره اسم ضبة. والرأي ما ذهب إليه الذهبي أنه قتله قطاع الطرق -أي لم يقتل بسبب هذه البائية.