يكون عني بها نفسه لقوة حيوية مشاهدة شيء آخر غير نفسه فيها وذلك قوله:
فخر وقيذًا مسلحبا كأنه ... على الكسر ضبعانٌ تقعر أملح
والذي يقوي هذا المعنى عندنا (أي معنى مشاهدة شيء آخر غير نفسه) هو أن هذا الوصف وما فيه من تشبيه مأخوذ من قول الفرزدق:
ولما رأيت العنبري كأنه ... على الكفل خرآن الضباع القشاعم
وقصة خبر هذه الأبيات تنبئ أنها كانت من مبكرات شعر الفرزدق. فالذي يغري بأخذ المعنى مشاهدة شيء يشبهه صفته مقاربة لصفته، ولا يكون مثل هذا مما يقع في صفة امرئ نفسه إذا لا يشاهدها بعين مشاهدة الشخص الآخر كفعل الفرزدق ههنا. والضبعان بكسر الضاد ذكر الضبع.
ثم يصف ابن روق هذا الذي جاء يلتمس اللهو. فهل هو الذي خر وقيذا ...
أتانا ابن روقٍ يبتغي اللهو عندنا ... فكاد ابن روقٍ بين ثوبيه يسلح
وأنقذني منها ابن روقٍ وصوتها ... كصوت علاة القين صلب صميدح
أنقذه بأن رام أن يحجز، فقالت تبصر أصل أذنه، أي ضربته على أصل أذنه فهذا أوجه في التفسير. وصوتها يعني قولها «لقد كنت أعفو عن جران» حين ضربته ولكن الضربة أصابت الحاجز فخر وكاد يسلح وهذا يناسب التشبيه بالضبعان لأنها توصف بذلك ويقال لها جعار بوزن قطام وأصل هذا من معنى العذرة. على أنه يصف ابن روق هذا بالنجاء على حصان. فلم تزل الضربة على ما تأولناه أولًا أنها وقعت به، أو بالشخص الذي كنى بنفسه عنه، ويكون ابن روق هذا قد زاره، ووجد الشر، وأستبعد أن يكون أراد بقوله يبتغي اللهو عندنا «نفسه وداره» فهذا مما يقوي ما نحسبه أنه أراد به هجاء قوم آخرين. ثم كعادة الشعراء