على إسناد جران للحكاية إلى نفسه وجريه فيها مجرى الهزل والضحك من نفسه، تجد فيها عند التأمل أن الوصف وصف مشاهد أكثر منه وصف ممارس ألمت به التجربة التي يصف- تأمل قوله:
ولما التقينا غدوة طال بيننا ... سباب وقذف بالحجارة مطرح
بكسر الميم وسكون الطاء بوزن منبر أي بعيد المدى.
أجلي إليها من بعيد وأتقي ... حجارتها حقًّا ولا أتمزح
تشق ظنابيبي إذا ما اتقيتها ... بهن وأخرى في الذؤابة تنفح
الظنبوب عظم الساق.
قوله «ولما التقينا» -أي هو وهي كأنهما كتيبتا قتال. على أنه بقوله «ولما التقينا» قد أنبأنا من حيث لم يشعر أو من حيث بدا كأن لم يشعر (إن يكن قد تعمده) أنه قد لاقى أناسًا هذا شأنهم. ثم بدلًا من أن يقول «كان بينهم سباب» قال: «كان بيننا» فهذا كأنه التفات من ضمير الغائب الذي ينبغي أن يكون عليه سياق القول إلى ضمير المتكلم. والالتفات مذهب في العربية. وعلى هذا فهو حقًّا لا يقص خبرًا عن نفسه ولكنه يخبر عن آخرين، وعمي كما قدمنا بنسبة الخبر إلى نفسه.
يقوي هذا الذي نذهب إليه أنه حين وصف أظفار رزينة وعقاربها حول الضمير من المتكلم إلى الغائب وذلك قولها:
وقالت تبصر بالعصا أصل أذنه ... لقد كنت أعفو عن جرانٍ وأصفح
وهذا التحويل إلى الغائب مكنه أن يصف سقوط جران (نفسه التي كنى بها عن شخص آخر كما نرجح، وصف مشاهد ينظر، وبعيد في الصورة التي أعطاناها أن