من ضربتها مغشيًّا عليه فتجره إلى الماء فلا يروعه إلا بعد طول الصب فيقول فلم أر موقوذًا مثلي يصب عليه الماء فلا يحس له ومع ذلك ترجى حياته، يعني أن ضربتها تبلغ به مبلغًا من فقدان الوعي. ثم يبالغ في صفة فقدانه الوعي:
أقول لنفسي أين كنت وقد أرى ... رجالًا قيامًا والنساء تسبح
أي بلغ من حالة فقدانه الوعي أن جاء رجال ونساء يشهدون فقدانه الوعي يخافون أن يكون قد قتلته فالرجال قيام عليه يحاولونه أن ينهض والنساء يسبحن الله يسألنه ألا يموت وقد صحا الآن من غشيته، فما درى أين هو.
أبا الغور أم بالجلس أم حيث تلتقي ... أما عز من وادي بريك وأبطح
أما عز جمع معزاء وأمعز وهي الأرض الخشنة. ثم يعود الشاعر إلى ذكر الاثنتين بعد أن كانت ضاربته واحدة.
خذا نصف مالي واتركا لي نصفه ... وبينا بذمٍ فالتعزب أروح
وما عني ههنا يخالطه لون من شيطنة. ذلك أنه يذكر أن له صبية فهم منهما أو من إحداهما أو من أخرى سواهما بانت أو ماتت وسياق كلامه لا ينبئ بهذا؛ لأن قوله فيا بعد «فالتعزب أروح» يشعر بأنهما إذا بانتا بانتا ومعهما الصبية فتركتاه عزبًا وحده. وقد كان ذكر أنه يعطي ماله كله وضعفه. فقوله «خذا نصف مالي» يبدو كأنه أراد به نصف المهر ففيه غمز أنها (أو أنهما) طلاق قبل المسيس -قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} الآية.
والصبية له بلا ريب. فجعل حالهما كحال من تبين بلا مسيس لشدة ما يلقى من شرهما أو من شرها إن تك هي واحدة وثناها على التهويل.