وكأنه - (أو كأنها حسب حكايته لقولها) - رامت أن تخفف هذا التضعيف لثنائها عليه فقالت:
رفيع العلا في كل شرق ومغرب ... وقولك ذاك الآبد المتلقف
أي العويص الذي يطلب لغريبه.
واعلم أصلحك الله أن العرب كانت تستحسن الكلمة من الغريب يجيء بها الشاعر ونأمل أن نعرض لهذا المعنى من بعد إن شاء الله. وكان جران العود مما يجيء الغريب في شعره. ولا يخلو ثناء الفتاة عليه ههنا من شيطنة، إذ كما كان تعاطى الغريب مما يستحسن، كذلك كان أيضًا مما يقع معه الزلل.
وكأنها تسخر منه إذ تقول:
وفيك إذا لاقيتنا عجرفية ... مرارًا وما نستيع من يتعجرف
وجران العود يحكي هذه السخرية به التي سخرتها ويقرب لها أسلوبها بقوله:
«نستيع كأنها هي التي جعلت الطاء تاء وهي لغة لبعض العرب وقد ذكر سيبويه في كتابه الطاء التي كالتاء في باب عدد الحروف العربية أنها من المتممات التسعة والعشرين اثنين وأربعين حرفًا ولكن لا تستحسن في قراءة القرآن والشعر ومن العرب من يخلص الطاء تاء في بعض الادغام قال «ومما أخلصت فيها الطاء تاء سماعًا من العرب قولهم حتهم يريدون حطتهم وقولهم وطد يطد ووتد يتد» فهذه الفتاة من صويحبات لغة يتد.
تميل بك الدنيا ويغلبك الهوى ... كما مال خوار النقا المتقصف
ولا يخلو هذا التشبيه من غزل سواء أكان من قولها هي أم من تعليق يعلق به هو، ويشبه الردف بالنقا. وما أشبه أن يكون ذلك منه حكاية لارتجاجة تمايلت بها