وقد تعلم أن الفرزدق نظم هذه الفائية بالمدينة ومطلع الحائية وقد مر ذكره:
ألا لا يغرن امرأً نوفلية ... على الرأس بعدي أو ترائب وضح
ولكأن صاحبه هذه الحائية هي صاحبة الفائية لقوله في هذه:
وأمسكن دوني كل حجزة مئزر ... لهن وطاح النوفلي المزخرف
ذلك بأن في نعتها الذي في الفائية ما تحس منه قوة شخصيتها «وإنها برزة» وأنها كأن قد قهرت الشاعر واستعلت عليه وذلك قوله:
وفي الحي ميلاء الخمار كأنها ... مهاة بهجل من أديم تقطف
شموس الصبا والأنس مخطوفة الحشا ... قتول الهوى لو كانت الدار تسعف
كأن ثناياها العذاب وريقها ... ونشوة فيها خالطتهن قرقف
تهين جليد القوم حتى كأنه ... دوٍ يئست منه العوائد مدنف
وأخذ المدنف الدوي من فائية الفرزدق. وجليد القوم عني به نفسه وقد أعرفنا أنها أهانته على بريق ثناياها له بالحديث، ويكون وصف الريق منه على التوهم والتمني أو تكون أنالته قبلة وداد إن صح في قوله «وطاح النوفلي المزخرف» أنه يدل على شيء من ذلك، وأشبه به ألا يكون يدل إلا على السفور، وذلك نوال من الحسناء عظيم. ومما يشهد لها بجزالة الحديث وقوة النفس ما حكى من قولها:
وقالت لنا والعيس صعر من البري ... وأخفافها بالجندل الصم تقذف
حمدت لنا حتى تمناك بعضنا ... وأنت امرؤ يعروك حمد فتعرف
وكأن ههنا نقدًا له بأنه مما يغتر. وذلك أنه يصيب بعض المدح لشعره وأدبه أحيانًا -ولا يخفى وكأنه يخطئه ذلك أحيانًا، هذا المعنى مداخل لقولها «يعروك حمد»