القطامي وحيزبون حميد، إلى الجبل الذي استضافه في ليل السرى. وعكس القضية التي جاء بها ذانك الشاعران فجبل هذا الأندلسي غول وديع والمناخ عنده ليس بمناخ سوء. وقد خلع الشاعر سرًّا على نفسه بعض صفات الجبل من ثبات وصلابة وصبر. وبلسان الجبل وهو لسانه لقوله:

فأسمعني من وعظه كل عبرةٍ ... يترجمها عنه لسان التجارب

بهذا اللسان بكى أصحابه:

فحتى متى أبقى ويظعن صاحب ... أودع منه راحلًا غير آيب

وحتى متى أرعى الكواكب ساهرا ... فمن طالع أخرى الليالي وغارب

إذ هذه الصفة أشبه به هو منها بالجبل. ولعله -إن صح ما رواه صاحب القلائد- أن يكون رثى هنا صاحبه عبد الجليل بن وهبون -أحسبه ابن وهبون قال صاحب القلائد (طبعة مصر سنة 1320 هـ ص 242): «وأخبرني (يعني ابن خفاجة رواية عنه) أنه لقي عبد الجليل الشاعر بين لورقه والمرية والعدو يليط، لا يريم، يقرع تلك الربا، ولا يزال يروع حتى مهب الصبا، فباتا ليلتهما بلورقة يتعاطيان أحاديث حلوة المساق، ويواليان أناشيد بديعة الاتساق، إلى أن طلع لهم الصباح أو كاد، وخوفهم تلك الأنكاد، فقام الناس إلى رحالهم فشدوها، وافتقدوا أسلحتهم فأعدوها، وساروا يطيرون وجلًا، وإن رأوا غير شيء ظنوه رجلًا، فمال إليه عبد الجليل وفؤاده يطير، وهو كالطائر في اليوم العاصف المطير، فجعل يؤمنه فلا يسكن فرقه، ويؤنسه فيتنفس الصعداء تثيرها حرقه، فأخذ في أساليب من القريض يسليه بإشغاله بها وإيغاله في شعبها، فأحيل على تذييل وإجازة، واختبل حتى لم يدر حقيقة النظم ولا مجازه، إلى أن مرا بمشهدين عليهما رأسان باديان وكأنهما بالتحذير مناديان، فقال أبو إسحق مرتجلًا:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015