ظاهر الكلام أن القطامي وابن خفاجة بين مذاهب قصيدتيهما بون بعيد، ولا تشتبهان إلا في الوزن والقافية ومجرى حرف الروى. غير أن التأمل يشهد مع ذلك بأن قرى الكلام (وقد مر بك حديث البحتري عن أخذ أبي نواس حيث أخذ عن أبي خراش) واحد أو متقارب. وذلك أن القطامي وحميدًا كليهما يذكران السرى في ليلة باردة مطبقة الظلام، فلاحت لهما نار، وإذا النار عندها سعلاة من السعالي الآدمية -سعلاة حميد منهمكة على المخض فلما طرقها أبو الخشخاش- وما هو إلا حميد نفسه، وهذا رمز كنى به عن نفسه- زجرته بكلمة حامدة وبنظرة زرقاء لها حماليق حمر:

فقام يصاديها فقالت تريدني ... على الزاد شكل بيننا متباعد

إذا قال مهلًا أسجحي حملقت له ... بزرقاء لم تدخل عليها المراود

وسعلاة القطامي:

تقول وقد قربت كورى وناقنى ... إليك فلا تذعر على ركائبي

إليك أي تنح يا هذا وكانت توقد النار «تصلى بها برد الشتاء» وقد تلفعت الظلماء من كل جانب.

وقد جعل ابن خفاجة مكان السعلاتين غولًا أرعن.

يسد مهب الريح من كل وجهة ... وتزحم ليلًا شهبه بالمناكب

فتى على طول الزمان وربما ... جلا لك عن فرعٍ من الثلج شائب

هذا البيت مذكور في هوامش الديوان.

يلوث عليه الغيم سود عمائم ... لها من وميض البرق حمر ذوائب

فجعله كما ترى مكان السعلاتين ونارهما، وأعطاه سناهما بما جعل على رأسه من بياض الثلج. نقل ابن خفاجة صفة الصلابة وشدة المراس من حيزبون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015