وأحسب أن أبا تمام ما أراد إلا الإشارة إلى عوان حميد هذه حيث قال في بائيته:
حتى إذا مخض الله السنين ... مخض البخيلة كانت زبدة الحقب
إذ البخيلة التي يذكرها أبو تمام ههنا أمر معهود- فقصده الإشارة إلى بخيلة حميد لا يخفى كما ترى. وقد ذكر بخلها حيث قال:
تأوبها في ليل نحس وقرة ... خليلي أبو الخشخاش والليل بارد
فقام يصاديها فقالت تريدني ... على الزاد- شكل بيننا متباعد
إذا قال مهلًا أسجحي حملقت له ... بزرقاء لم تدخل عليها المراود
يعني صحة نظر عينيها وجعلها زرقاء كناية عن نظرة الزجر والغضب والعداوة ثم كأنه أشار إلى زرقاء اليمامة وقد مر عليك خبرها، إلا أنها لا تكحل بالأثمد، لما تقدم من تجردها لكسب وأنها إزاء معاش.
إذا الحمل الربعي عارض أمه ... عدت وكرى حتى تحن الفراقد
أي صغارها وأصل الفرقد ولد البقرة فأطلقه على ولد الضأن.
فقامت بأثناء من الليل ساعة ... سراها الدواهي واستنام الخرائد
الدواهي كاللصوص والمغامرين من أمثال الشنفري والعشاق كسحيم وابن أبي ربيعة.
وإلى هجاء حميد بخيلته نظر القطامي إن كان نظر وقد سبق أن أشرنا إلى مقال أبي العلاء في هذا الصدد. وأحسب أن ابن خفاجة الأندلسي في بائيته التي يصف بها الجبل لم يخل من تأثر لمنهج القطامي في كلمته التي أولها:
ناتك بليلي نية لم تقارب ... وما حب ليلى من فؤادي بذاهب