في هذا الوصف نوع من الغرام والشهوة ومع ذلك شيء كالروحانية والتصوف ألا ترى أنه نسب إلى الكأس المعجزة بسعي المقعد وإبصار الأعمى لما ذاقها ثم زعم أن الصائم يفطر بها وجعل إفطاره بها نوعًا كالرفث لقوله بها إنقاء غسلها فكأنها امرأة تغتسل وتتزين وتتعطر ويفوح نشرها فيترك صائم القوم لفتنتها له صومه. وقوله «إذا صبها الحاني في الكأس كبرا» فيه شريجان من عبادة ومجون وكالنظر إلى قول الأخطل:
تمر بها الأيدي نسيحا وبارحًا ... وتوضع باللهم حي وتحمل
وكان الأخطل نصرانيًّا فجعلها الأقيشر من مجونه كأسًا إسلامية يكبر عليها ساقيها فتأمل:
وقال أبو محجن الثقفي:
إذا مت فادفني إلى أصل كرمةٍ ... يروي عظامي في التراب عروقها
ولا تدفنني في العراء فإنني ... أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
هذا يقوله أبو محجن قبل إسلامه على مذهب إنكار البعث وكان لصناديد المشركين وزنادقة قريش مذهبًا وكان طريق ثقيف في الشرك كطريق قريش.
ويروى بخمر الحص لحدي فإنني ... أسيرٌ لها من بعد ما قد أسوقها
أباكرها عند الشروق وتارة ... يعاجلني بعد العشي غبوقها
وللكأس والصهباء حظ منعمٌ ... فمن حظها ألا تضاع حقوقها
أقومها زقا بحقٍ بذلكم ... يساق إلينا تجرها ونسوقها
وهذا من تباهي الجاهلية وكانت الخمر عزيزة.
وعندي على شرب العقار حفيظة ... إذا ما نساء الحي ضاقت حلوقها