طلب العسل والاكتساب به، ولكنه أيضًا حب المغامرة إذ قد راقه منظر هذه الصخرة فرام صعودها. ويدلك على صواب هذا الذي نذهب إليه قوله:
فأعلق أسباب المنية وارتضى .... ثقوفته لو لم يخنه انقضابها
فقوله: «وارتضى ثقوفته» ينبئ عن ثقة الخالدي بمهارة نفسه. وقوله لو لم يخنه يعني إن لم واستعمل الشاعر لو للتهويل لأن لو لما كان سيقع لوقوع غيره، وقد جعل الشاعر الحبال التي توصل بها الشاعر حبال المنية وذلك قوله «فأعلق أسباب المنية» وإنما هي حبال النجاة، وإنما جعلها حبال المنية لأنها الخطة الأخرى المخشية، فناسب قوله أسباب المنية قوله لو لم يخنه انقضابها- كأنه حقق أنه قد وقع في المنية لأنها بحكم أنها أسباب المنية، قد انقضبت، ولو لم تنقضب لكان قد نجا، ونحن كما يدل السياق نعلم أنها لم تنقضب وأنه نجا، فهذا مكان صحة ارتضائه لثقوفته، فتأمل هذا البيان.
ثم تدلى هذا العاسل بالحبال بين سب بكسر السين وهو الحبل كأن أصله السبب وخيطة والخيطة هو الوتد الذي يناط به الحبل في لغة هذيل وكأن إعلاق أسباب الحبال بالأوتاد ضرب من الخياطة والجرداء الصخرة الملساء والوكف النطع وهو بساط من الجلد. هذا العاسل تدلى بحباله على صخرة ملساء كأن سطحها جلد لو وقع الغراب عليها لكبا ولانزلق. ثم إن الصائد اجتلاها من حيث اجتمعت أي كشفها وأجلاها وطردها بالإيام وهو الدخان. قال الشارح وهو السكري:
«والذي يأخذ العسل لا يصعد إلا ومعه شيء يدخن به عليهن لا يلسعنه يقال منه آمها يؤومها أوما وإياما إذا دخن عليها» أ. هـ. قلت فالإيام هو تدخينه عليها ثم أطلق على الدخان كما ترى. فلما دخن عليها تحيرت وتفرقت جماعات أو فرقًا فرقًا مسكينات مهزومات.