بضم الجيم وكسرها وهو الخشب الغليظ شبه السهام في انبعاثها بجماعة الدبر وفي أزملها أي صوتها بالجمر أوقد بالخشب الجزل. وإنما ذكرنا هذين البيتين لأنهما يوضحان معنى ما كنا فيه من نعت أبي ذؤيب النحل بأنهن مراضيع وإنما أخذ أمية منه على الأرجح. وأدق أبو ذؤيب وصفه فذكر أنهن صهب الريش وكذلك النحل ياد ريشها يشف أو هو يشف فتكون الصهبة من مخالطة لون أجسادها لنقاء لونه الشفاف. زغب رقابها أي لا ريش عليها.
بعد هذا الوصف الحي البارع لجماعة النحل وأفرادها أقبل الشاعر على نعت مشتار النحل، الذي قدمنا نعت المعري له وإشارته إليه حيث قال:
ماذيةٌ هم بها عاسلٌ ... من القتا لا عاسلٌ من هذيل
فقال:
فلما رآها الخالدي كأنها ... حصى الخذف تهوي مستقلًا إيابها
أجد بها أمرًا وأيقن أنه ... لها أو لأخرى كالطحين ترابها
الخالدي هو العاسل. رأى هذه النحل كأنها الحصى الصغار الذي يرمي بسبابة اليد وهو صغار. فدبر لها أمرًا يكيدها به وهو أن يرتفع إلى حيث العسل بالحبال. والمكان بعيد مرهوب الجانب. وقد أيقن أنه أمام إحدى خطتين، إما أن ينال العسل وذلك نجاحه ومكسبه وإما أن ينقضب الحبل ويهوي على أرض رملها كالطحين وهو معه طحين مرضوض هالك.
والذروة التي فيها العسل عالية ولها جانب صخرة جرداء. قال الشاعر فقال له أصحابه تجنبها يا حرام، هذا اسمه، ينهونه عنها ويخوفونه الهلاك ولكنه أعجبته القمة ذات الجانب الواضح والارتفاع الرهيب. هذا المعنى عندي بليغ بالغ. وذلك أن الذي دعا الخالدي إلى الصعود وارتكاب الهول الذي يخاف منه الهلاك ليس فقط