يقول فالراح الشامية طيبة وهي معتقة صرف صهباء. ثم أطيب بها حين يكون هذا العسل الذي وصفته شيابُا أي مزاجًا لها. ثم الراح والعسل ممزوجان معًا في قدح بارقي جديد زاكي الرائحة بجدته وأريج خشبه الذي لم يذهب به طول الاستعمال -هما معًا ليسا بأطيب من فم المحبوبة- وهذه خاتمة التشبيه وإشعار بالخروج من الوصف. وإنما ذلك حيلة من حيل البيان لا ينبغي أن يطال الوقوف عنده على أنه داخل في حاق التشبيه.

على أن أبا ذؤيب ههنا كأن يرض أن يكون غرامه مجرد حيلة يحتال بها إلى الوصف، فقال بعد أن أتم نعت الخمر والعسل:

رأتني صريع الخمر يومًا فسؤتها ... بقران إن الخمر شعثٌ صحابها

هذا البيت جيد. وفيه كما ترى صدق بلوم الشاعر لنفسه وأسفه على ما فرط منه إذ رأته الفتاة سكران فلم ترض حاله وحز ذلك في إحساسه. ويعجبني قوله: «إن الخمر شعث صحابها» ومجيثه في هذه الأبيات يصحح شرح من شرح قوله قبل: «وتؤلف الجوار» أنها يجمع لها جوار إلى جوارٍ حرصًا على تأمين سبيلها ويكون به ضعيفًا تفسير من فسره بأنها تؤلف بين الجيران فيحب بعضهم بعضًا إذ كأن قوله «شعث صحابها» ينقضه.

ثم يقول:

لو عثرت عندي إذن مالحيتها ... بعثرتها ولا أسيء جوابها

وههنا رقة وأدب نفس عميق.

وقد كان أبو ذؤيب من العشاق كما كان من مجيدي وصف الخمر والعسل والإبل ومن أصحاب الرثاء والحكمة مقتنًا صاحب حكمة وقواف متغلغلات في معدن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015