والحنظل حارٌّ في العينين كالفلفل. ومرٌّ شرابه، شتان ما بينه وبين الرحيق المفلفل الذي كأن هذه الطير من فرحها بالمطر قد سقيت منه فانتشت. الشاعر يحس نشوتها من الذكرى البعيدة، وهو من ألم البكاء على تحسر تلك الذكرى كناقف الحنظل. وقد تذكر حديثنا من قبل عن دموع علقمة ورمزية ظليمه الذي:
يظل في الحنظل الخطبان ينقفه ... وما استطف من التنوم مخذوم
والتنوم لشدة خضرته يشبه به سواد شعر الشباب والخطبان فيه خطوط خضر وصفر والشيب إذا خضب بالحناء ضرب لونه إلى الصفرة، وقبل بيت علقمة قوله:
كأنها خاضبٌ زعرٌ قوادمه ... أجنى له باللوى شريٌ وتنوم
والشرى هو الحنظل- وما في هذا البيت من دلالات الشباب والشيب غير قليل. هذا وقول امرئ القيس «عشية» يقابل «غديةً» والسباع الغرقى في مقابلة العصم التي قد أنزلت وفي مقابلة بعر الآرام ن ترود. وأنابيش العنصل في مقابلة حب الفلفل. وأنابيش النبات عروقه المنبوشة، شبه الشاعر السباع الغرقى غامرها الماء لا يبدو منها إلا الأذن مثلًا وبعض الذنب، بهذه الأنابيش من البصل البري. وجعلها هكذا إذ رآها على بعد، يدلك على ذلك قوله: «بأرجائه القصوى» وثم نوعٌ من مقابلة بين النظر البعيد ههنا والنظر القريب في قوله «ترى بعر الآرام في عرصاتها وقيعاتها البيت» وقوله:
فبات عليه سرجه ولجامه ... وبات بعيني قائمًا غير مرسل
يذكرك بقوله «فواعجبا من كورها المتحمل» وقوله «وقوفًا بها صحبي علي مطيهم» لأن فيه مماثلة «بعيني قائمًا غير مرسل» وبات تقابل ظل في:
فظل العذارى يرتمين بلحمها ... وشحم كهداب الدمقس المفتل