فصورة الشيخ الذي يخضب بالحناء هنا ظاهرة وهل هذا الشيخ هو امرؤ القيس نفسه؟ ولا تخفى صلة ما بين الحناء والنساء ونفور النساء من الشيب. والبجاد هو الكساء المخطط فلهذا خصه الشاعر إذ شبه ثبيرًا والسيل مكتنفه من جانبيه كأنه كساء مخطط لما فيه من طرائق الماء والصخور.
ثم لا يخفى الصدى المتجاوب الكبير بين قوله: «يسح الماء» و «مر على القنان من نفيانه» و «عرانين وبله» وسائر صفة السيل حتى صرح بلفظه في قوله: «من السيل والغثاء» وبين قوله من قبل في صفة حصانه المسح الذي يسح العدو الشديد على وجه الكديد:
مكر مفرٍّ مقبل مدبرٍ معًا ... كجلمود صخرٍ حطه السيل من عل
هذا السيل الذي يكب على الأذقان دوح الكنهبل ولا يدع إلا ما كان مشيدًا بجندل، ولا مشيد بجندلٍ إلا الجبل والآكام التي تتدهدى وتنحدر فيه جلاميد صخراتها. ولكأن هذا البيت قد كان من الشاعر توطئة وتمهيدًا لما سيذكره من بعد من صفة السيل وما صنعه من خرابٍ وتدمير. ولا إقواء في هذا البيت إذ لا يلزم الشاعر بناء «عل» على الضم بل له أن يقول من عل من عل من علا، قال الراجز:
باتت تنوش الحوض نوشًا من علا ... نوشًا به تقطع إجواز الفلا
قال في القاموس وأتيته من عل بكسر اللام وضمها ومن على ومن عال أي من فوق. أ. هـ. وقوله: «كأن ذرا المجيمر البيت» فيه صدى ومشابه صورة من قوله:
دريرٍ كخذروف الوليد أمره ... تتابع كفيه بخيطٍ موصل
فلكة المغزل من قوله: «من السيل والغثاء فلكة مغزل» فيها شبه خذروف الوليد؛ لأن تحت فلكة المغزل القطعة المستديرة الفطحاء التي يكون تحتها الخيط