قفا نبك من ذكرى حبيب منزل
نمط فذ من الاسترسال والعودات وتجاوب الأصداء والإحكام الموسيقي المعدن في تعاقب المعاني والصور والمعادلات والمقابلات التي بينها، وتنتظم التأليف من عند أوله إلى آخره.
وبينها وبين ميمية علقمة هذه شبهٌ كأنه خفي في طريقة الصياغة الكلية- وذلك أن قصيدة امرئ القيس مخصرة، وميمية علقمة مخصرةٌ.
وكذلك «بانت سعاد» وبائية عبيد بن الأبرص:
أقفر من أهله ملحوب ... فالقطبيات فالذنوب
ولنا إلى تفسير المخصرة والتخصير عودة في بابه إن شاء الله تعالى، حين نعرض لبعض عناصر الوحدة من بعد.
لقد غبرت دهرًا أعجب من شدة الشبه- أم ذلك أمر توهمته؟ بين تأليف روائع موسيقا الأوروبيين وتأليف روائع قصيد العرب. استهلال وتتابع إيحاء يثب أو ينساب على نوع من تجاوب المعاني وتداعي الخواطر وترجيع أطياف من الكلمات والصيغ والتركيب. والصور البيانية والأخيلة والأفكار. ولا تخلو قطعة موسيقا رائعة من رنة تتكرر هي بنفسها أو بنوع منها أو بألوان تحوير لأجزائها يقتربن ويبتعدن يتلاقين ويفترقن ولا سيما اللواتي فيهن أصوات الغناء بالحناجر مع الآلات.
في معلقة امرئ القيس أصداء تتجاوب من كلمات وعبارات ونغمات صيغ وصورٍ وأخيلة وأفكار على نحو هي من أجله بحق سيدة القصيد وصاحبها بيده لواء الشعراء:
مثلًا، قفا نبك في أول القصيدة، لذلك صدًى يجاوبه من قوله:
أصاح ترى برقًا أريك وميضه ... كلمع اليدين في حبيًّ مكلل