فأبها حبيبته التي أحبها وأحبته، وفي كل حي من أحيائها تجاوبت مع عواطفه، وفي كل مغنى من مغانيها استجابت مع مشاعره، فحبها تغلغل في القلب، حتى تجاوز الجهد والطاقة، فانتسب الشاعر إلى مغنى "اليمانية" وكثيرًا ما ترددت عليها لأرى بنفسي تلك المغاني الجميلة الرائعة، في حضن أعلى جبل وسط مدينة أبها، في قمته محطة "تليفزيون" المنطقة الجنوبية.
وكما ذاق الشاعر مرارة الصبابة في حي "النصب"، الذي كنت أطل عليه بنفسي من شرفة مسكني "عمارة الراجحي" صباح مساء، وأتملى سحر الجمال في جباله، التي تحتضن بساتين أبها وأشجارها ومزارعها في واد تتدفق إليه المياه الغزيرة في فصل الشتاء وفصل الربيع وجزء من الصيف.
أما ظلال الأيك في غابات "السودة" الساحرة، فتميس في سحر خلاب وحسن باهر، متربعة على عرش ربع خصيب، وهي أعلى منطقة في أبها، حيث ترتفع عن سطح المدينة ثلاثة آلاف قدم، وتتعانق غابات العرعر الكثيفة، التي تشدو بأغاريد البلابل خلال تربة خصبة، وصخور متنوعة، وجبال جدد سود وبيض وحمر مختلف ألوانه، تنعكس عليها أشعة الشمس الساطعة الذهبية.
وأما المطر إذا سحَّ لا يرحم أحدًا، فتتفتح السماء بالماء كأفواه القرب "كما يصف ذلك أحد المستشرقين"، وكنت أتردد عليها من حين لآخر، لأتلو آيات الله التي نظمتها طبيعة ساحرة في أرض خصبة رابية وسط جبال شاهقة، وصحراء تضنّ السماء على أهلها بالماء القليل، هذا هو موطن الغرابة والدهشة التي كانت تستبدّ بقلبي، وتجيش بخواطري، وتشدني إلى هناك من حين لآخر.
وأما القرعاء فقد بهرت نظرة الشاعر، حين تجري العيون على تربتها الخصبة، فتتسلل المياه من بين الأشجار الضخمة، التي كنت أجنح إليها كثيرًا، فأتفيأ ظلالها من وقت لآخر.
فاليمانية، والنصب، والسودة، والقرعاء، كلها أماكن ساحرة في أبها، التي عاش تجربتها الشاعر، وتجاوبت عاطفته ومشاعره معها، وبين ربوعها، وتلك خصائص التحرر عند الشاعر، الذي أحب الطبيعة، وتردد صدى الوجدان من خلالها.
ولاهتمام الشاعر بالطبيعة ومعالمها في الجنوب، تراه في قصائده كثيرًا، يقول في "يا منتدى الذكريات":
ما عرفت الحنين حتى تباعدت ... عن الأثل في شفا القرعاء
ما شكوت الخواء حتى تناديت ... فلم أدن من ربا حجلاء
ما تأسيت قبل بعدي عن ... نعمان مغني الإثارة الخضراء