وهكذا صارت حياته بؤسًا وشقاءً، وحزنًا وآلامًا، وشكوى وتضعضعًا، وإسرافًا في إطلاق المشاعر، وطغيانًا في الوجدان، لكن إنسان من البشر يعيش مع الناس في هذا القرن له "حق الإنسانية"1، وأمام ظلم البشر للإنسان، هل يستجيب له القدر، وتحضنه الحياة، ويحنو عليها الدهر، وذلك في قصيدته "لو يسمح القدر"، بعد أن اعتصرته مرارة البؤس والشقاء في قصيدته "حياة في القرن العشرين"3.
هذا هو شعر الوجدان بسماته وخصائصه التي جعلته غرضًا شعريًّا متميزًا في شعر العسيري، فهذا الغرض يعبّر بصدق ودقة عن حياة الشاعر، فالوجدان فيه هي حياته، والشعر الصادق هو الذي يرسم فيه الوجدان حياة صاحبه في شعر محموم وعاطفة جياشة، ومشاعر رقيقة، وتصوير أدبي رائع.
إن شعر الوجدان في شعر العسيري يؤرخ للشاعر حياته المريرة وعلاقاته بالناس من حوله، وموقعه في دنياه، ... دنيا القرن العشرين.
ثانيًا: الشعر الإسلامي
والشعر الإسلامي هو أكثر شعر العسيري بعد الشعر الوجداني، ويغلب عليه الجانب الإنساني العالمي، فالإسلام دين عالمي عام لكل البشرية، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} 4، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 5.
وفي عام 1948م أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة حقوق الإنسان العالمية، حينئذ ذكر الدكتور عثمان خليل 6 أنَّ الإسلام منذ خمسة عشر قرنًا أقر هذه الحقوق العالمية للإنسان، مثل المساواة، وتحقيق الحريات في التملك والعقيدة والعمل والمحافظة على الحرمات.. وهذه المبادئ الإسلامية هي التي جعلت الدين الإسلامي ينشر سماحته شرقًا وغربًا بلا إكراه، وبمجهود ضئيل، وبغير دعوة مطلقًا.