والاتجاه الأخلاقي النابع من قيم البيئة الأوروبية الغربية يتناقض تمامًا مع الاتجاه الأخلاقي النابع من البيئة العربية الإسلامية، فالبيئة الأولى تنشد من ورائه تحقيق الذات والشهوة من خلال البناء المادي الصرف للحياة السعيدة في تصوره القاصر والمحدود.
والبيئة الثانية تنشد من أدبها تحقيق السعادة للذات من خلال بناء الحياة المتكامل، والمرتبط بالقيم النبيلة في تحقيق النمو الضروري للقوة والعزة، ودفع التقدم للنشاط المادي اللازم في بناء الحياة وتطورها، ليكون ذلك وسيلة لتحقيق السعادة للإنسان طوعًا لأمر الله -عز وجل، واستجابة لاستخلافه في الحياة، وابتغاءً لمرضاته في اتخاذ الوسائل والأسباب1.
وهذا هو جوهر الفرق بين الطبيعتين: الذاتية المادية الصرفة في مذاهب "الرومانتيكية"، والإنسانية السامية النبيلة في "مدرسة التحرر في التجديد"، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} .
ثانيًا: عوامل تكوين مدرسة التحرر في التجديد
ماجت الحياة الأدبية والحركة الشعرية في المملكة العربية السعودية كسائر الأقطار العربية الأخرى، وذلك من خلال المدارس الأدبية الحديثة، وفي ظلّ المذاهب النقدية المعاصرة.
ومن أهمها في العالم العربي "مدرسة الديوان" و"مدرسة المهجر" و"مدرسة أبولو"، وغيرها من المدارس الحديثة التي دفعت كثيرًا من الشعراء في المملكة العربية السعودية إلى أن تسير على نهجها، وأن تتبع طريقتها في تناول الشعر، وصياغته ونظمه، ومضمونه، وخياله وصوره، وأغراضه، وقالبه الموسيقي، فظهر مذهب جديد في الشعر السعودي بصفة عامة، وفي شعر الجنوب "عسير" بصفة خاصة، "ألا وهو" "مذهب التحرر في التجديد"، الذي يسير في واقعنا العربي الإسلامي جنبًا إلى جنب مع المذهب الابتداعي "الرومانتيكي" في أوروبا حديثًا2.