وهناك آثار (?) صحيحة عن «ابن عباس» تفيد نزول «التوراة» جملة؛ منها ما أخرجه النسائي وغيره عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في حديث النتوق قال: «أخذ موسى الألواح بعد ما سكن عنه الغضب، فأمرهم بالذي أمر الله أن يبلّغهم من الوظائف، فثقلت عليهم، وأبوا أن يقرّوا بها حتى نتق الله عليهم الجبل، كأنه ظلّة، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم فأقروا بها».
وإذا كانت التوراة، وهي أعظم الكتب السماوية السابقة، وأكثرها أحكاما وهداية، وقد ثبت نزولها جملة واحدة، فأحر بغيرها من الكتب السماوية- كالإنجيل والزبور وصحف إبراهيم- أن تكون قد نزلت جملة واحدة، وآية (الفرقان) - كما ذكرنا- تدلّ على هذا التعميم وتؤيده.
هذا المبحث من أنباء الغيب، فلا يطمئن الإنسان إلى رأي فيه إلا إن ورد عن معصوم، ولم نطّلع في هذا على نقل من المعصوم صلى الله عليه وسلم وإنما هي نقول عن بعض العلماء؛ منها:
1 - ما قاله «الطّيبيّ»: «لعل نزول القرآن على الملك أن يتلقفه تلقفا روحانيّا أو يحفظه من اللوح المحفوظ، فينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم فيلقيه إليه، وكلمة «لعل» لا تفيد القطع، وإنما تفيد التجويز والاحتمال، وقد ردد الإمام «الطّيبي» الأمر بين هذين الاحتمالين، ولم يقطع برأي.
2 - ما ذكره «البيهقي» في تفسير قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) [القدر: 1] قال: يريد- والله أعلم- إنا أسمعنا الملك، وأفهمناه إياه، وأنزلناه بما سمع، وهذا الرأي أمثل الآراء وأولاها بالقبول، ويشهد له ما رواه «الطبراني» من حديث «النواس بن سمعان» مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله، فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا، وخرّوا سجدا فيكون أوّلهم يرفع رأسه «جبريل» فيكلمه