أما الكتب السماوية السابقة، فالمشهور بين العلماء، أن ذلك كان جملة واحدة حتى كاد يكون هذا الرأي إجماعا، كما قال «السيوطيّ».
والدليل على ذلك آية «الفرقان»: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ... الآية، ووجه الدلالة: أن الله- سبحانه- لم يكذّبهم في دعواهم نزول الكتب السماوية جملة، بل بين لهم الحكمة في نزوله مفرقا، ولو كانت الكتب السماوية نزلت مفرقة لكان كافيا في الرد عليهم أن يقول لهم: إن التنجيم سنة الله في الكتب التي أنزلت على الرسل، كما أجاب بمثل ذلك قولهم: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ... [سورة الفرقان: 7] فقال في الرد عليهم: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: 20]، فبين لهم أن ذلك سنن الأنبياء والمرسلين، وكذلك لما قالوا: هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الأنبياء: 3] فردّ عليهم: بأن سنته ألّا يرسل رسلا إلّا من البشر فقال: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) [سورة الأنبياء: 7] ولما قالوا: كيف يكون رسولا ولا همّ له إلا النساء رد عليهم فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد: 38] إلى غير ذلك.
ويدل على ذلك أيضا .. قوله تعالى في إنزاله التوراة على موسى عليه السلام يوم الصّعقة: فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ [سورة الأعراف:
144 - 145]، وقوله: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) [سورة الأعراف: 154]، وقال تعالى:
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (17) [سورة الأعراف: 171]، والمراد بالألواح: الألواح التي كتبت فيها التوراة.
فهذه الآيات دالة على إنزاله- سبحانه- التوراة على «موسى» جملة.