وأعقّب على قول الإمام فأقول: إن مسألة نزول القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليست من العقائد التي يتحتم تواتر الأخبار بها، والتي لا بد فيها من العلم القطعي اليقيني، مثل وجود الله وصفاته، ونحو ذلك من العقائد، وإنما يكفي فيها الأخبار الصحيحة .. التي تفيد غلبة الظن ورجحان العلم، ثم إن من قال إن مثل هذه الحقيقة الغيبية لا بد فيها من تواتر الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم! إن كثيرا من السمعيات يكتفى فيها بالأخبار الصحيحة التي تفيد رجحان العلم بما دلت عليه، وعلى هذا جرى العلماء سلفا وخلفا، ثم إن تأويل الآيات بأن المراد ابتداء الإنزال صرف للآيات عن ظواهرها، وقد بينت أن ظاهر الآيات يشهد للنزول جملة واحدة، والظواهر لا يعدل عنها إلا بصارف، وأنى هو
وبعد .. فالقول الأول، هو الراجح والصحيح الذي تشهد له الآيات والآثار.
حكمة هذا النزول: والحكمة في هذا النزول أمران:
(1) تفخيم شأن القرآن، وشأن من نزل عليه، وشأن من سينزل إليهم، بإعلام سكان السماوات من الملائكة بأن هذا آخر الكتب المنزلة، على خاتم الرسل، لأشرف الأمم، وهي الأمة الإسلامية، وفي هذا تنويه بشأن المنزّل، والمنزّل عليه، والمنزّل إليهم.
(2) تفضيل القرآن الكريم على غيره من الكتب السماوية؛ بأن جمع الله له النزولين: النزول جملة واحدة، والنزول مفرقا، وبذلك شارك الكتب السماوية في الأولى، وانفرد في الفضل عليها بالثانية، وهذا يعود بالتفضيل لنبينا «محمد» على سائر إخوانه من الأنبياء ذوي الكتب المنزلة، وأن الله جمع له من الخصائص ما لغيره وزاد عليها.
قلنا فيما سبق إن القرآن الكريم نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، في ليلة القدر وهذا هو النزول الأول، وكان النازل به