«جبريل» عليه السلام فألقاه على السفرة الكرام البررة، فقيدوه في صحفهم المكرمة، كما قال تعالى: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (16) [سورة عبس: 11 - 16] هم الملائكة المختصون بذلك.
وقد بقي القرآن محفوظا في هذه الصحف المرفوعة المطهرة، بأيدي هؤلاء الملائكة الكرام البررة حتى أذن الله لهذا النور الإلهي أن يسطع في أرجاء الأرض، ولهدايته الربانية أن تتدارك الناس، وتخرجهم من ظلمات الشرك والجهالة والضلال، إلى نور الإيمان والهدى والعرفان، على يد مخلّص البشرية، ومنقذ الإنسانية سيدنا ونبينا «محمد بن عبد الله» عليه صلوات الله وسلامه، فأنزل عليه «القرآن» هاديا ومبشرا ونذيرا للخلق أجمعين، وليكون آيته الكبرى، ومعجزته الباقية على وجه الدهر، شاهدة له بالصدق وأنه يوحى إليه من ربه، وهذا هو النزول الثاني للقرآن.
وشواهد هذا النزول أكثر من أن تحصى، قال تعالى شأنه: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ (?) لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) [سورة الشعراء: 192 - 195]، وقال تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ (?) مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) [سورة النحل: 102]، وقال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4) [سورة الكهف: 1 - 4]، وقال: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (1) [سورة الفرقان: 1]، وقال تعالى:
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [سورة البقرة: 23].
والذي نزل به على النبي صلى الله عليه وسلم هو أمين الوحي «جبريل» عليه السلام،