والترمذي وصححه.
وإن دينا يشيد بالقلم هذه الإشادة لهو دين العلم والمدنية الصحيحة.
وهذا هو النبي صلوات الله وسلامه عليه تواتيه أول فرصة لنشر القراءة والكتابة فينتهزها، كي يتعلمها أكبر عدد من أبناء المسلمين وصبيانهم؛ فقد روى الرواة الأثبات أن المسلمين أسروا في غزوة بدر الكبرى سبعين رجلا من المشركين فقبل النبي ممن عنده مال الفداء، وكان ذلك أربعة آلاف درهم من الموسرين، أما من كان يحسن القراءة والكتابة فقد جعل فداءه أن يعلم عشرة من غلمان المدينة القراءة والكتابة (?) وقد فعل النبي هذا في وقت كان المسلمون أحوج إلى درهم ليزيلوا به خصاصتهم ويتقووا به على أعدائهم، ولكن ذا المواهب أدرك أن تعليم الأمة الكتابة خير من المال وأنها من عوامل تقدم الأمة ورقيها وبهذه السياسة الحكيمة كان النبي صلى الله عليه وسلم أول من وضع لبنة في إزالة الأمية من الأمم والشعوب: وأن الإسلام سبق إلى محاربة الأمية والجهل من قرابة أربعة عشر قرنا، على حين كان غيرهم ممن بيدهم مقاليد الأمور يحرصون على أن تبقى شعوبهم منغمسة في حمأة الجهل والخرافات، ولقد كان لهذه السياسة الرشيدة أثرها فقد انتشرت الكتابة بين المسلمين وانتشر العلم والمعرفة وصارت تنتشر في كل قطر فتحه المسلمون، ولا يخالف هذا ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» إذ هو إخبار عما كانت عليه غالبية الأمة، ثم صار العلم والثقافة الأصيلة من أخص خصائص الأمة الإسلامية.
لقد كتب القرآن جميعه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، غير أنه كان مفرقا في العسب، واللخاف، والأكتاف، والرقاع، ونحوها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه شيء من القرآن دعا بعض كتاب الوحي، فيأمره بكتابة ما نزل، ويرشده إلى موضعه من سورته، والكيفية التي تكتب عليها الكتابة، ولم يجاور الرسول الرفيق الأعلى إلا والقرآن كله مكتوب مسطور.