الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ: الْقِيَامُ لِلرَّجُلِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: وَجْهٌ يَكُونُ الْقِيَامُ فِيهِ مَحْظُورًا وَوَجْهٌ يَكُونُ فِيهِ مَكْرُوهًا وَوَجْهٌ يَكُونُ فِيهِ جَائِزًا وَوَجْهٌ يَكُونُ فِيهِ حَسَنًا.

فَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مَحْظُورًا لَا يَحِلُّ فَهُوَ أَنْ يَقُومَ إكْبَارًا وَتَعْظِيمًا لِمَنْ يُحِبُّ أَنْ يُقَامَ إلَيْهِ تَكَبُّرًا وَتَجَبُّرًا عَلَى الْقَائِمِينَ إلَيْهِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَكُونُ الْقِيَامُ فِيهِ مَكْرُوهًا فَهُوَ أَنْ يَقُومَ إكْبَارًا وَتَعْظِيمًا وَإِجْلَالًا لِمَنْ لَا يُحِبُّ أَنْ يُقَامَ إلَيْهِ، وَلَا يَتَكَبَّرُ عَلَى الْقَائِمِينَ إلَيْهِ فَهَذَا يُكْرَهُ لِلتَّشَبُّهِ بِفِعْلِ الْجَبَابِرَةِ وَمَا يُخْشَى أَنْ يُدْخِلَهُ مِنْ تَغْيِيرِ نَفْسِ الْمَقُومِ إلَيْهِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَكُونُ الْقِيَامُ فِيهِ جَائِزًا فَهُوَ أَنْ يَقُومَ تَجِلَّةً وَإِكْبَارًا لِمَنْ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ، وَلَا يُشْبِهُ حَالُهُ حَالَ الْجَبَابِرَةِ وَيُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ نَفْسُ الْمَقُومِ إلَيْهِ لِذَلِكَ وَهَذِهِ صِفَةٌ مَعْدُومَةٌ إلَّا مَنْ كَانَ بِالنُّبُوَّةِ مَعْصُومًا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَتْ نَفْسُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالدَّابَّةِ الَّتِي رَكِبَ عَلَيْهَا فَمَنْ سِوَاهُ بِذَلِكَ أَحْرَى، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَكُونُ الْقِيَامُ فِيهِ حَسَنًا فَهُوَ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ إلَى الْقَادِمِ عَلَيْهِ مِنْ سَفَرٍ فَرِحًا بِقُدُومِهِ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهِ أَوْ إلَى الْقَادِمِ عَلَيْهِ سُرُورًا بِنِعْمَةٍ أَوْلَاهُ اللَّهُ إيَّاهَا لِيُهَنِّئَهُ بِهَا أَوْ لِقَادِمٍ عَلَيْهِ مُصَابٍ بِمُصِيبَةٍ لِيُعَزِّيَهُ بِمُصَابِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الْآثَارِ، وَلَا يَتَعَارَضُ شَيْءٌ مِنْهَا انْتَهَى. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ نَدَبَكَ الشَّرْعُ أَنْ تَمْشِيَ إلَيْهِ لِأَمْرٍ حَدَثَ عِنْدَهُ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَمْ تَفْعَلْ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْك الْمُتَّصِفُ بِذَلِكَ فَالْقِيَامُ إلَيْهِ إذْ ذَاكَ عِوَضٌ عَنْ الشَّيْءِ الَّذِي فَاتَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، فَقَدْ حَصَلَ الْقِيَامُ لِسَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْقِسْمِ الْمَنْدُوبِ لِتَهْنِئَتِهِ بِمَا أَوْلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نِعْمَتِهِ بِتِلْكَ التَّوْلِيَةِ الْمُبَارَكَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَقَدْ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْعُلَمَاءُ وَالْفُقَهَاءُ. فَقَدْ ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ احْتَجَّ بِهِ، وَهُوَ أَبُو دَاوُد وَمُسْلِمٌ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمُحَدِّثِينَ دَأْبُهُمْ أَبَدًا فِي الْحَدِيثِ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إلَى فِقْهِ الْحَدِيثِ فَيُبَوِّبُونَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015