عَلَيْهِ وَيَذْكُرُونَ فَوَائِدَهُ فِي تَرَاجِمِهِمْ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَمَا قَالُوا فِي الْبُخَارِيِّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - جُلُّ فِقْهِهِ فِي تَرَاجِمِهِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ، وَلَا يَتَعَرَّضُونَ فِي غَالِبِ أَمْرِهِمْ إلَى التَّفْصِيلِ بِالْجَوَازِ أَوْ الْمَنْعِ أَوْ الْكَرَاهَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إنَّمَا شَأْنُهُمْ سِيَاقُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَالْفُقَهَاءُ يَتَعَرَّضُونَ لِذَلِكَ كُلِّهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا دَاوُد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ بَوَّبَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي وَقَعَ النَّهْيُ فِيهِ عَنْ الْقِيَامِ فَقَالَ: بَابُ كَرَاهَةِ الْقِيَامِ لِلنَّاسِ بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ تَرْجَمَتِهِ وَتَبْوِيبِهِ عَلَى الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ فِقْهَهُ اقْتَضَى مَنْعَ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى الْقِيَامِ لَمْ يَقُلْ: بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْقِيَامِ، وَلَا اسْتِحْبَابِ الْقِيَامِ، وَلَا جَوَازِ الْقِيَامِ بَلْ قَالَ: بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقِيَامِ وَلَمْ يَزِدْ، وَلَمَّا أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْآخَرَ قَالَ: بَابُ كَرَاهَةِ الْقِيَامِ لِلنَّاسِ فَيَلُوحُ مِنْ فَحْوَى خِطَابِهِ أَنَّهُ يَقُولُ بِالْكَرَاهَةِ، وَلَا يَقُولُ بِالْجَوَازِ، وَهَذَا كُلُّهُ بَيِّنٌ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِذَا لَمْ نَقُلْ بِفَحْوَى الْخِطَابِ وَلَمْ نَأْخُذْ مِنْهُ الْحُكْمَ فَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ نَحْكُمَ بِأَنَّهُ أَخَذَ بِأَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ وَتَرَكَ الْآخَرَ إلَّا بِقَرِينَةٍ، وَالْقَرِينَةُ قَدْ دَلَّتْ عَلَى مَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَخْرَجَ الْإِمَامَانِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِ تَوْبَتِهِ الطَّوِيلِ الْمَشْهُورِ فَذَكَرَهُ إلَى قَوْلِهِ «وَانْطَلَقْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَإِذَا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي وَاَللَّهِ مَا قَامَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ» انْتَهَى.

اسْتَدَلَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْقِيَامِ بِفِعْلِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كَوْنُهُ قَامَ إلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ بَلْ لَا يُعْطِي الْحَدِيثُ وَنَصُّهُ غَيْرَ ذَلِكَ. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقِيَامُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ إذْ ذَاكَ أَوْ مَشْرُوعًا لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَتْرُكَهُ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ يُبَادِرُ إلَى مَا شَرَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ نَدَبَ إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مَنْ جَالَسَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015