وَشِمَالًا لِئَلَّا يَقَعَ عَنْ دَابَّتِهِ، فَلَمَّا أَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَنْصَارِ إذْ ذَاكَ قُومُوا إلَى خَيْرِكُمْ أَوْ إلَى سَيِّدِكُمْ» أَيْ قُومُوا فَأَنْزَلُوهُ عَنْ الدَّابَّةِ.

وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَى مَا ذَكَرَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ بِالْقِيَامِ إلَيْهِ لِيُنْزِلُوهُ عَنْ الدَّابَّةِ لِمَرَضٍ بِهِ» انْتَهَى. لِأَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ جَرَتْ أَنَّ الْقَبِيلَةَ تَخْدُمُ سَيِّدَهَا فَخَصَّهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَنْزِيلِهِ وَخِدْمَتِهِ عَلَى عَادَتِهِمْ الْمُسْتَمِرَّةِ بِذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا ذَكَرْتُمْ، وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ الدَّابَّةِ لَأَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ مَنْ يَقُومُ بِتِلْكَ الْوَظِيفَةِ وَهُمْ نَاسٌ مِنْ نَاسٍ، فَلَمَّا أَنْ عَمَّهُمْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجَمِيعُ إذْ أَنَّ بِبَعْضِهِمْ تَزُولُ الضَّرُورَةُ الدَّاعِيَةُ إلَى تَنْزِيلِهِ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهِ الْكَرِيمَةِ وَشَمَائِلِهِ اللَّطِيفَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوْ خَصَّ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْقَوْلِ وَالْأَمْرِ لَكَانَ فِي ذَلِكَ إظْهَارًا لِخُصُوصِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ قَبِيلَتِهِ، فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ انْكِسَارُ خَاطِرٍ فِي كَوْنِهِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ وَكَانَتْ إشَارَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ نَظَرُهُ أَوْ أَمْرُهُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَكْبَرِ الْخُصُوصِيَّةِ، فَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُمْ بِذَلِكَ عُمُومًا تَحَفُّظٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَنْكَسِرَ خَاطِرُ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَوْ يَتَغَيَّرَ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ مِثْلَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ مَنْ قَامَ بِهِ أَجْزَأَ عَنْ الْبَاقِينَ، فَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ لِلْقَرَائِنِ الَّتِي قَارَنَتْهُ، وَهِيَ هَذِهِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ أَفْعَالَ الْقُرَبِ تَعُمُّ، وَلَا تَخُصُّ قَبِيلَةً دُونَ أُخْرَى، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ هَلْ كَانَ لِلْأَنْصَارِ خُصُوصًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَا وَقَعَ مِنْ الْجَوَابِ يَعُمُّ الْقَبِيلَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ غَائِبٌ قَدِمَ وَالْقِيَامُ لِلْغَائِبِ مَشْرُوعٌ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُمْ بِالْقِيَامِ لِتَهْنِئَتِهِ بِمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ هَذِهِ التَّوْلِيَةِ وَالْكَرَامَةِ بِهَا دُونَ غَيْرِهِ.

وَالْقِيَامُ لِلتَّهْنِئَةِ مَشْرُوعٌ. وَقَدْ قَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015