ولقد تأملت كثيرًا في هذه القضية حتى أرى ما الحائل الذي يحول بيننا وبين نص تراثي مكتوب، فوجدت أن الأمر لا يخلو من أحد أمور خمسة:

1 - أن يكون القارئ المعاصر قد فقد التصور الكلي الذي كان شائعًا عند الكاتبين للتراث عبر الزمان والمكان، وعلى ذلك من الممكن أن نقول: إنه ينبغي علينا - حتى نفهم التراث فهمًا دقيقًا واعيًا - أن ندرك أولًا التصورات الكلية التي كانت قائمة في أذهانهم، وحاكمة على كتاباتهم حتى شاعت هذه التصورات، وكأنها مسلَّمات.

فعندما نفقد هذه التصورات، أو لا نستوعبها، أو لا نستحضرها حين قراءتنا للتراث، فإن خيرًا كثيرًا يفوتنا، وإن فَهْمًا دقيقًا يعوزنا.

2 - أيضًا فقد يفقد القارئ المعاصر النظريات الكلية التي حكمت الذهن العلمي عندما أنشأ تلك العلوم، أو تعامل وتفاعل معها، أو دوَّنها، أو انقسم فيها إلى مدارس ...

وإلخ.

هذه النظريات الكلية عادة وغالبًا لا نجدها مستورة في الكتب التي بين أيدينا بطريقة شاملة، بل نجد عناصر مشتتة في الكتب، وموزعة على الأعصار المختلفة، وموزعة أيضًا بين المذاهب المتعددة، وبين الأشخاص، والعلماء، والفقهاء الذين قاموا بإنتاج كل ذلك،

ومنذ خمسين سنة والعلماء المسلمون يحاولون تجميع وصياغة تلك النظريات

الكلية في بعض العلوم خاصة الفقه واللغة، ويحاولون أن يستنبطوا تلك النظريات وأن يكتبوا رسائل علمية (ماجستير ودكتوراه) فيها، ولقد قطعوا شوطًا كبيرًا، فكتبوا في نظرية الملكية، وفي نظرية المال، وفي نظرية الحق، وفي نظرية العقد، وفي نظرية الضمان، وفي نظرية المسئولية وهكذا، كتبوا عن هذا كثيرًا، لكن الأمر لم يسر في

كل العلوم سيرته في الفقه، كما أنه لم يسر أيضًا بصورة منتظمة، وعلى درجة واحدة من الإتقان، ومن العمق، فأصبح عندنا نظريات استطعنا أن ندرك فيها عمق التفكير الفقهي الموررث، وهناك نظريات ما زالت في بداياتها من ناحية الصياغة والشمول.

فنظرية العقد في الفقه الإسلامي مثلًا، نضجت بما فيه الكفاية، لأنا نستعملها

كمفتاح نستطع به أن ندرك كثيرًا من العقود الإسلامية، فهمًا، أو إنشاء، - في حين أن الشخصية الاعتبارية وأحكامها ما زالت في بداية الطريق.

3 - الأمر الثالث الذي يجعل الإنسان غير قادر على أن يتصل الاتصال المرجو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015