بالتراث هو قضية المصطلحات، فلكل عصر ولكل مذهب ولكل علم مصطلحاته الدقيقة، التي إذا ما فقدها القارئ المعاصر، أو طالب العلم، أو الباحث فإنه لا يدرك كثيرًا مما أمامه، ويقف هذا حجر عثرة دون الفَهْم العميق، أو الفهم المتأني.

4 - أما الأمر الرابع فهو قضية فقد العلوم الخادمة، فكل علم من هذه العلوم كان يعتمد على بنية فكرية، هي عبارة عما حصله العالم من درس في مختلف العلوم الأخرى، فالذي كتب في الفقه درس قبله المنطق، ودرس علم الكلام، ودرس ما كانوا يسمونه بعلم الوضع، ودرس النحو، ودرس البلاغة، ودرس علوم العربية،

ودرس الأصول، ودرس علومًا كثيرة أخرى، كوّنت نسيجه الفكري، وكوَّنت بنيته الذهنية، فجلس وهو يتكلم في الفقه يتكلم بهذه الأداة التي تولَّدت عنده في ذهنه من دروسه المختلفة، نحن الآن عندما نريد أن نعادل شهادات الكليات، فإننا نطلع على كمِّ

الدراسة، وكم الساعات، وكم المعلومات التي تلقاها طالب معين في جامعة بعينها، حتى نرى ما إذا كان مساويًا لما تلقاه الآخر في جامعة أخرى.

إن كمَّ الساعات التي كان يتلقاها الفقيه قديمًا كان يشتمل على علومٍ كثيرةٍ، قد تغيب عنا، وعن كثير من المطلعين اليوم.

كل هذا أَثَّر في إنشاء العبارة، وفي الأداء، وفي الصياغة، وفي كتابة العلوم بصورة عامة.

ولهذا لما كتب الفقه رأيناه وكأنه مُسْتَبطِن للمنطق، ومُسْتَبطِن لما عليه علماء الكلام من مفاهيم، ومُسْتَثطِن أيضًا لما عليه علماء الحكمة العالية وعلماء الأصول.

وهكذا في كل فن، وفي كل علم عندما كان صاحبه يصوغه، فإنه يصوغه متأثرًا بما قد تلقاه من درس في حياته العلمية، فكانت العلوم بعضها يخدم بعضًا، وتكون نسيجًا وبنيةً فكريةً واحدةً ومتسقةً في نفس الوقت.

وفهم هذا الجانب أمرُ أساس حتى نفهم بدقة كلام الأقدمين، وحتى نستطيع بعد ذلك أن نكمل المسيرة، ونبني كما بنوا.

5 - أما الأمر الخامس فهو قضية الصياغة اللغوية والمنطقية، والتي تحتم علينا أن

ندرك فلسفة اللغة وعلاقتها بما في الأذهان، وبما في الأعيان.

هذه الصياغات لا بد علينا أن نقف عندها كثيرًا، وأن نعيها بطريقة أساسية، حتى تصبح مفتاحًا لنا لقراءة التراث كله بكافة تشعباته، وبكافة أنواعه.

هذه هي الأمور الخمسة التي ينبغي أن تُعالجَ بشيء من التفصيل، ولا أدعى أن هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015