فهم التراث

إلا أن هذا التراث الذي بين أيدينا في الحقيقة لا بد علينا أن نفهمه، وكثير من الناس يرفضون التراث رفضًا تامًا، وهذا الرفض رفض وجداني فقط؛ لأنه لم يفهم التراث أصلًا، حتى يرفض ما فيه.

وكثير من الناس يقبلون التراث قبولًا تامًّا، وهذا أيضًا قبول وجداني، لأنه لم يفهم ما فيه أيضًا، نعم هو خير من الأول الذي رفض، لأنه ينتمي إلى آبائه الصالحين، وإلى سلفه الأماجد.

لكن لا بد علينا أن نفهم التراث، والتراث مكتوب في إطار طرائق معينة،

ونظريات، وأفكار، وأساليب ما في التفكير والتحليل، فله ما يشبه

"الشفرة "، هذه "الشفرة " نريد أن نلقي شيئًا من الضوء عليها.

ولقد تنبه كثير من العلماء إلى هذا، أو إلى شيء منه، مثل الشيخ طنطاوي جوهري - رحمه الله - فألف كتابه الماتع " بهجة العلوم "، محاولًا أن يلقي الضوء على تلك التصورات الكلية التي كانت في أذهان السلف الصالح.

هذه التصورات نجدها في مقدمات علم الكلام، نجدها في علم لم يعد يدرس اسمه " الحكمة العالية "، وموضوعه الوجود والعدم، نجد مثل هذه التصورات عند التأمل والتدبر في عباراتهم، نجدها في النطق الصوري العربي، نجدها مشتتة.

وألف عبد القادر بن بدران كتابًا أسماه المدخل، يحاول فيه أن يلقي الضوء على جانب آخر من هذه الشفرة التي كتب بها التراث.

كما اهتم الأتراك كثيرًا بمثل ذلك حتى يفهموا، فعلماء الدولة العثمانية، وهي ناطقة بالتركية أرادوا أن يفهموا بعمق حتى يساهموا في البناء الفقهي، فكانت مؤلفاتهم تشتمل على كثير من حل تلك الشفرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015