الدهش والوله عن المتحير في صحة حديث ماء زمزم لما شرب له، إلا أنه ما أزال الحيرة ولا الدهش، لأنه على طريقة المقلدة المتأخرين الذي حسبهم نقل أقوال من سبقهم مكررة متناقضة متضاربة لقصورهم وعدم سلوكهم طريق النظر والاستدلال في كل فن من الفنون يدرسونه أو يرومون الكتابة في مسألة من مسائله وإنما كبر الرسالة بالأبحاث في اللغة وتعريف الماء وتاريخ زمزم وأطرف المسألة وفوائد خارجة عن الموضوع لا مسيس لها بالحديث أصلا، بل ولا بالعلم الصحيح وإنما هي بخرافات السمار وحكايات الجلاس أشبه منها بمسائل العلم المقبول، والحديث أول من صححه سفيان بن عيينة في حكاية رواها عنه الدينورى في المجالسة فقال في الجزء الرابع منها:
حدثنا محمد بن عبد الرحمن حدثنا الحميدى قال: كنا عند سفيان بن عيينة فحدثنا بحديث زمزم إنه لما شرب له، فقام رجل من المجلس ثم عاد فقال له: يا أبا محمد أليس الحديث الذي حدثتنا في زمزم "إنه لما شرب له" صحيحا فقال سفيان: نعم، فقال الرجل: فإنى شربت الآن دلوا من زمزم على أنك تحدثنى بمائة حديث، فقال سفيان: اقعد فحدثه بمائة حديث اهـ.
وسفيان بن عيينة له في هذا الحديث سندان، أحدهما: عن عبد اللَّه بن مؤمل عن أبي الزبير عن جابر، رواه الخطيب من طريق الحافظ أبي العباس ابن عقدة:
حدثنى محمد بن القاسم المدائنى ثنا مجاهد بن موسى حدثنا قبيصة عن سفيان به.
وثانيهما: عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مطولا باللفظ الثانى المذكور في المتن، رواه الدارقطنى [2/ 289] والحاكم [1/ 473] من رواية محمد بن حبيب الجارودى عن سفيان.