مذهبها النحوي على عُمُد الانتخاب من آراء المدرستين الكوفية والبصرية. وإنما أوقعه في ذلك أنه رأى الفراء يتأثر بالمدرسة البصرية في بعض آرائه ومنازعه1، كأن يعمد أحيانا في الإعراب إلى تقدير العوامل المحذوفة، أو يرفض بعض اللغات الشاذة، أو يأخذ بالقياس وضبط القواعد، أو يخطئ شاعرا في تعبير. وكل ما رواه من ذلك ليس فيه شيء انتخبه الفراء من آراء المدرسة البصرية وأقوال أئمتها النحويين، وإنما هو فيه يدلي بآرائه الخاصة. وأبعد في الغلو فقال: إنه تأثر بالبصريين في تخطئة بعض القراءات متورطا في ذلك مع بعض الباحثين، ورأينا في ترجمة الأخفش كيف كان يوجه القراءات التي لا تجري على مقاييس مدرسته، وليس في كتاب سيبويه تخطئة واحدة لقراءة من القراءات مع كثرة ما استشهد به منها, وقد صرح بقبولها جميعا مهما كانت شاذة على مقاييسه، إذ قال: إن "القراءة لا تخالف؛ لأنها سنة"2.

ويظهر أن الكسائي هو الذي بدأ تخطئة القراء, إذ نرى الفراء يتوقف في كتابه معاني القرآن مرارا ليقول: إن الكسائي كان لا يجيز القراءة بهذا الحرف أو ذاك، يقول تعليقا على قراءة يكون بالرفع والنصب في قوله تعالى في سورة النحل: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} , وقول جل وعز في سورة يس: "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فَيَكُونَ": بالنصب "لأنها مردودة "أي: معطوفة" على فعل قد نُصب بأن، وأكثر القراء على رفعهما، والرفع صواب، وذلك أن تجعل الكلام مكتفيا عند قوله "في سورة النحل": إذا أردنا أن نقول له كن، فقد تم الكلام، ثم قال: فيكون ما أراد الله. وإنه لأحب الوجهين إلي، وإن كان الكسائي لا يجيز الرفع فيهما ويذهب إلى النسق "أي: العطف على الفعل المنصوب بأن""3. وكأن الفراء هنا يخطئ أستاذه ويصحح القراءة، وسنرى في ترجمته أنه أنكر عدة قراءات. ومن هنا كنا نؤمن بأنه هو وأستاذه اللذان فتحا للبصريين التالين لهما تخطئة بعض القراءات من أمثال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015