إبليس اللعين وزمرته.

وقد غلب على أسلوب دعوتهم طابع الصبر، واللِّين. فهذا نوح عليه السلام يمكث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عامًا يدعوهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، ويحذّرهم سوء العاقبة إن هم أعرضوا، ويعدهم بالثواب الجزيل إن هم أقبلوا.

فالتحذير، والتذكير، والإغراء، من أساليب الإمالة للقلوب السليمة إلى الأخذ بأسباب النجاة. من غير عنف، أو إكراه.

وإبراهيم عليه السلام كان من أكثر المناوئين له أبوه وقومه عند دعوته لهم إلى عبادة الله وحده لا يشركون به شيئًا، وقد لاقى في ذلك عنتًا شديدًا، وحرجًا بليغًا لوقوف أبيه مع المشركين ضدّ دعوته، حَتَّى قال له أبوه يومًا: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْءَالِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم / 46] .

فاستوحش إبراهيم عليه السلام من موقف أبيه آزر، ولكنه أبقى على شيء من البرِّ له عندما {قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم / 7] .

غير أنّ هذا الموقف اللين لم يغير شيئًا من موقف أبيه واستمر في عدائه لدعوته.

عندها خشي عليه السلام أن ينقلب موقفه من أبيه وقومه من مفهوم المداراة إلى مفهوم المداهنة.

قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة / 114] .

تبيّن له من جهة الوحي أنّ أباه لن يؤمن، وأنّه يموت كافرًا.

فانقطع رجاؤه عنه، فقطع استغفاره له.

وهكذا يجب أن يكون موقف الداعية المؤمن من المناوئين لدعوته، صبرًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015