السائدة، فأصحاب البديع حمّلوا المدائح النبوية بديعهم، لينتشر بانتشارها، وتعرف فنونه، ومن هنا جاء التصنع والتكلف الذي اتسمت به البديعيات، لأن الناظم يبذل جهدا عظيما في الملاءمة بين معاني المدح النبوي وبين إيراد النوع البديعي، وسبك شاهده، وهذا جهد عقلي محض، يذهب بالشاعرية والرواء الشعري.
ويمكن أن تعد البديعيات مرحلة وسطى بين الشعر والنظم، هي شعر لأنها تحوي موضوعا شعريا، ولأنه يتخللها بعض مظاهر الشعر، وهي نظم، لأنه ذكر لفنون البديع وإيراد الأمثلة عليها.
وكان من آثار المدح النبوي الثقافية، حركة التأليف التي قامت حول المدح النبوي، والتي تجلت في الشروح المختلفة لبعض قصائد المدح النبوي، والتي تعد مشاركة في فن المدح النبوي من الذين لم يؤتوا موهبة شعرية تتيح لهم نظم المدائح النبوية، وقد عنيت هذه الشروح بمعالجة قضايا المدح النبوي، والبحث في أصوله وقواعده، وحفلت بالمعلومات التاريخية والدينية واللغوية والأدبية، حتى أصبحت من المصادر الثقافية الهامة للعصر.
فالمدائح النبوية استدعت نشاطا تأليفيا يخدمها، هو الشرح الذي حفز همم بعض المؤلفين، وحثهم على المشاركة في فن المدح النبوي، فدرسوا وتثقفوا، ليقوموا بهذه المهمة، فكان بذلك أحد عوامل نشاط حركة التأليف في هذا العصر.
وبذلك نرى أن المدح النبوي الذي بدأ مسيرته في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واستمر خافتا إلى ما قبل العصر المملوكي، أضحى الفن الشعري الأول في ذلك العصر، وأضحى فنا مستقلّا له أصوله وقواعده، وله دواوينه وشعراؤه، وإن تقاطع مع فنون شعرية مشابهة. وكان لذلك كله أسبابه السياسية والاجتماعية والدينية، وهذا ما ظهر في المدحة النبوية التي لم تقتصر على مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقط، وعلى ذكر كل ما يتعلق به،