إن ظهور القصائد الطويلة في المدح النبوي جعل بعض النقاد يتسائلون عما إذا كانت المدائح النبوية قد قدمت الشكل الشعري الأقرب إلى الملاحم بعد القصائد التاريخية والسير الشعبية، في حين أنكر بعض الباحثين وجود الملاحم أو ما يقاربها في الأدب العربي.
ففي المدح النبوي عناصر كثيرة تلتقي مع فن الملحمة، فيه يمتزج العالم الواقعي بالعالم الروحي، وفيه عرض لحروب بطولية خارقة، وفيه قيم إنسانية نبيلة، وفيه سرد لأحداث الدعوة الإسلامية، ولحياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولنشوء الأمة وصراعها مع الأمم الآخرى، وفيه تجسيد للإنسان الكامل، والبطل الإنساني المطلق، والمثل الأعلى للإنسانية، وهذه كلها من عناصر الملحمة ومقوماتها.
فالمدائح النبوية حملت روح التغيير في الشعر العربي، لكن تجسيدها كان ضمن الحدود المعروفة والشكل الخارجي للقصيدة العربية، فلم تكن ملامح الملحمة على وضوحها عند غير العرب، وليس مهما أن تكون لدينا ملاحم متطابقة مع فن الملاحم عند الأمم الآخرى، ولكن المهم أن العبقرية العربية لم تكن قاصرة على إبداع مثل هذا الفن، وألا يعد غيابه قصورا في التفكير، وجفافا في القريحة، وضيقا في الأفق.
فإن لم تكن هذه القصائد ملاحم بالمفهوم المعروف لها، فلتكن ملاحم عربية، ولتكن لها شخصيتها المستقلة مثلما للأمة شخصيتها المستقلة، ولتكن الفن الذي يقابل الملاحم عند الأمم الآخرى.
وكان للمدح النبوي أثر وتأثر بالبديع الذي كان سائدا في ذلك العصر، فالبديع ظهر بدرجات متفاوتة في قصائد المدح النبوي، وطغى على بعضها، فأحالها إلى ما يقرب من المنظومات التعليمية، وكان من نتائج الإغراق في الصنعة البديعية عند شعراء المدح النبوي، ظهور لون خاص من المدائح النبوية، هو البديعيات، التي جمعت بين المدح النبوي وفنون البديع، فتم بذلك المزاوجة بين أكثر فنون الشعر انتشارا وبين الصنعة