وروى الشافعي بإسناده أن جنازة سعد بن معاذ حملت هكذا؛ ولأن الحمل على هذا الوجه أشق على البدن، وحمل الجنازة عبادة وما كان أشق على البدن من العبادات فهو أولى.
ولنا ما روى ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: من السنّة أن تحمل الجنازة من جوانبها الأربع وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يدور على الجنازة من جوانبها الأربع؛ ولأن عمل الناس اشتهر بهذه السنّة من غير نكير منكر وإنه حجة؛ ولأن المسارعة في حملها، والحمل بأربعة يكون أبلغ في المسارعة، وفيه تخفيف على الحاملين، وصيانة للميت عن السقوط، وتعظيم للميت بأن يحمله جماعة من المؤمنين على أعناقهم.
وإنما حملت جنازة سعد بن معاذ كما رواه الشافعي إما لازدحام الملائكة فقد روي (119ب1) أن النبي عليه السلام «كان يمشي على رؤوس أصابعه وصدور قدميه لكثرتهم» ، أو لضيق الطريق؛ أو لأن الحامل هناك رسول الله عليه السلام، والميت هناك بمأمن من السقوط؛ لأنه كان لكل نبي قوة أربعين رجلاً، وكان لنبينا قوة أربعين نبياً.
قال محمد رحمه الله: ورأيت أبا حنيفة رحمه الله فعل هكذا، وذلك دليل تواضعه، وذكر الحسن بن زياد رحمه الله في «المجرد» : ويكره أن يقوم الرجل بين عمودي له بجنازة من مقدمه أو مؤخره.
ويسرع بالجنازة وذلك ما دون الخبب لما روي أن النبي عليه السلام سئل عن المشي بالجنازة فقال: «ما دون الخبب فإن يك خيراً عجلتموه إليه وإن يك شراً وضعتموه عن رقابكم» أو قال: فبعداً لأهل النار» .
والمشي خلف الجنازة أفضل، وإن مشى أمامه كان واسعاً، وقال الشافعي رحمه الله: المشي أمامها أفضل لما روي أن أبا بكر، وعمر رضي الله عنهما كانا يمشيان أمام الجنازة، ولأن الناس شفعاء الميت والشفيع يقدم على من يشفع له.
ولنا ما روي أن النبي عليه السلام كان يمشي خلف جنازة سعد بن معاذ، وعلي رضي الله عنه كان يمشي خلف الجنازة فقيل له: إن أبا بكر، وعمر كانا يمشيان أمامهما فقال: رحمهما الله قد عرفا أن المشي خلفها أفضل ولكنهما أرادوا أن ييسرا الأمر على الناس.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: فضل المشي خلف الجنازة على المشي أمامها كفضل المكتوبة على النافلة. وما يقول من المشي باطل؛ لأن الشفيع إنما يتقدم من يشفع له تحرزاً عن تعجيل من عنه الشفاعة بعقوبة من يشفع له حتى يمنعه من ذلك، وذلك لا يتحقق هنا.
ويكره أن يتقدم الكل عليها، وإن كان كلهم خلفها، فلا بأس؛ لأنه ربما يحتاج إلى التعاون في حملها، فإذا كانوا يمشون خلفها تمكنوا من التعاون عند الحاجة، فلم يكن به