بأساً، وإن كانوا أمامها لم يتمكنوا من التعاون عند الحاجة فكره لهذا.
قال الحاكم الصدر الشهيد رحمه الله في «المنتقى» : وجدت في بعض الروايات أن أبا حنيفة رحمه الله قال: لا بأس بالمشي أمام الجنازة وخلفها ويمنة ويسرة، وكره أبو يوسف أن يتقدمها منقطعاً عن القوم، فإذا كنت في جماعة من الناس فلا بأس بالمشي أمام الجنازة وخلفها ويمنة ويسرة.g
ولا بأس بالقعود إذا وضعت الجنازة، ويكره قبله؛ لأن قبل الوضع ربما تقع الحاجة إلى التعاون، فإذا كانوا قياماً كان أمكن للتعاون، وبعد الوضع وقع الاستغناء عن ذلك، لأن الناس إنما حضروا إكراماً للميت، والجلوس قبل أن يوضع عن المناكب يشبه الازدراء والاستخفاف به، وبعد الوضع لا يؤدي إلى ذلك، ولا بأس بالركوب في الجنازة والمشي أفضل هكذا ذكر القدوري؛ لأنه يسير للصلاة فيجوز راكباً وماشياً، والمشي أفضل كما في سائر الصلوات، وهذا لأن المشي أقرب إلى الخشوع، وأليق بحال الشفيع.
وفي «نوادر المعلى» : عن أبي يوسف رحمه الله قال: رأيت أبا حنيفة يتقدم أمام الجنازة وهو راكب، ثم يقف حتى تأتيه، فهذا دليل على أنه لا بأس بالركوب في الجنازة، قيل: هذا إذا بعد عن الجنازة، أما إذا قرب منها يكره؛ لأن السبيل في اتباع الجنازة أن يكون بطريق التذلل لا بطريق التكبر، فعلى قول هذا القائل يحمل فعل أبي حنيفة رحمه الله على أنه كان بعيداً عن الجنازة، وفي المسألة دليل عليه، فإن أبا يوسف رحمه الله قال: ثم يقف حتى تأتيه.
ويكره النوح والصياح في الجنازة ومنزل الميت لما روي أن النبي عليه السلام «ينهى عن الصوتين الأجمعين الفاجرين صوت الصائحة والمغنية» .
فأما البكاء من غير رفع الصوت لا بأس به وسيأتي هذا الفصل بتمامه في كتاب الكراهية والاستحسان إن شاء الله تعالى. ولا تتبع الجنازة بنار يعني الإجمار.
قال في «الكتاب» : أكره أن يكون آخر زاده في الدنيا نار تتبع به، وروي «أن النبي عليه السلام خرج في جنازة فرأى امرأة في يدها مجمر فصاح عليها وطردها» .
ويكره أن يحمل الصبي على الدابة لأن حمله على الدابة؛ يشبه حمل الأثقال، وفي الحمل بالأيدي إكرام الميت، والصغار من بني آدم يكرمون كالكبار، وعنى أبو حنيفة في الفطيم والرضيع لا بأس بأن يحمل في طبق يتداولونه، ولا بأس بأن يحمله راكب؛ على دابة، يريد به أن الحامل له راكب لأن الحمل من الجوانب الأربع إنما تيسيراً على الحاملة، وصيانة للميت عن السقوط، وفي حمل الصبي الرضيع لا يحتاج إليه فيحمله واحد.