نوع آخر فيما إذا تلا آية السجدة وأراد أن يقيم ركوع الصلاة مقام السجود
قال في «الأصل» : وإذا قرأ آية السجدة في صلاته وهي في آخر السورة إلا آيات يعني، فإن شاء ركع لها وإن شاء سجد لها، واعلم أن هذه المسألة على أوجه، إما إن كانت السجدة قريبة من آخر السورة، وبعدها آيتان إلى آخر السورة، فالجواب ما ذكرنا أنه بالخيار إن شاء ركع لها، وإن شاء سجد، بعضهم قالوا: إن شاء سجد لها سجدة على حدة، وإن شاء ركع لها ركوعاً على حدة وبكل ذلك، ورد الأثر؛ وهذا لأن السجدة غير مقصودة بنفسها، إنما المقصود إظهار الخشوع أو مخالفة الكفار، فإنهم استنكفوا عن السجدة لله تعالى قال الله تعالى: {وإذا قرأ عليهم القرآن لا يسجدون} (الإنشقاق: 21) والخشوع والمخالفة كما يحصل بالسجود يحصل بالركوع غير أن السجدة أفضل، كذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله، لوجهين:
أحدهما: في السجود أداء الواجب بصورته ومعناه وفي الركوع بالمعنى دون الصورة، فكان السجود أكمل، ولأنه متى سجد يصير مقيماً صورتين ومتى ركع يصير مقيماً صورة واحدة أولى من ولو سجد يعود إلى القيام؛ لأنه يحتاج إلى الركوع والركوع لها يكون من القيام، ويقرأ بقية السورة ليس ثم يركع إن شاء، كيلا يصير ثان الركوع على السجدة ولو شاء ضم إليها من السورة الأخرى أية حتى يصير ثلاث آيات، قال الحاكم الشهيد: وهو أحب إليّ، وهذه القراءة بعد السجدة بطريق الندب لا بطريق الوجوب حتى أنه لو لم يقرأ جعلها، ويكره غير أن في الركوع يحتاج إلى النية ينوي الركوع للتلاوة وفي السجدة لا يحتاج إلى النية؛ لأن الواجب الأصل السجدة والركوع إن كان موافق السجود صورة يخالفها معنى فمن حيث إنه يوافقها معنى ينادى به ومن حيث إنه يخالفها صورة يحتاج إلى النية بخلاف السجدة؛ لأنها هي الواجب الأصل، فلا يحتاج فيها إلى النية، وبعضهم قالوا: معنى قوله: إن شاء ركع لها وإن شاء سجد وإن شاء أقام ركوع الصلاة مقام سجدة (92أ1) التلاوة وهذا التفسير منقول عن أبي حنيفة رحمه الله نقل عنه أبو يوسف رحمه الله، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمة الله عليهما ما يدل على أن سجدة الركعة تنوب عن سجدة التلاوة، فقد روي عنه إن كانت السجدة في آخر السورة مثل الأعراف والنجم أو سائرها من مثل بني إسرائيل وانشقت وركع حتى فرغ من السورة حتى أجزأته سجدة الركعة عن سجدة التلاوة.
وهذا فصل اختلف فيه المشايخ: أنه إذا لم يسجد للتلاوة سجدة على حدة، ولم يركع لها ركوعاً على حدة، وإنما ركع للصلاة وسجد للصلاة والركوع ينوب عن سجدة التلاوة أو السجدة بعده، بعضهم قالوا: الركوع أقرب إلى موضع التلاوة فهو الذي ينوب عن سجدة التلاوة، وقال بعضهم: إن سجدة الصلاة تنوب، وهكذا روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمة الله عليهما؛ لأن المجانسة بينهما وبين سجدة التلاوة أظهر؛ ولأن الركوع لا يعرف قربة إلا في الصلاة والسجدة قربة في الصلاة وخارج الصلاة، فكانت