بيانه: أن العتق ههنا ثبت حكماً لبيان النسب، والنسب لا يمكن إثباته مقصوراً على الحال؛ إنما يثبت مستنداً إلى وقت العلوق، كان يجب أن يستند العتق منه إلى وقت العلوق؛ لأنه حكمه إلا أن إسناد العتق إلى ما قبل الملك غير ممكن فيستند العتق إلى حالة التملك، والتملك كان في حالة الصحة فيعتق من ذلك الوقت، فهو معنى قولنا: إنه معتق الصحة، وهذا بخلاف ما لو أقر المريض أنه أعتق هذا العبد في صحته، فإنه يعتبر هذا عتق المريض، وأن ملكه في حالة الصحة؛ لأن إثبات العتق في الحال ممكن، فأثبتناه للحال ولم نصدقه في حق الإسناد لحق الورثة، فأما إثبات النسب مقصوراً على الحال غير ممكن فثبت مستنداً إلى وقت العلوق، وإذا استند السبب إلى وقت العلوق استند العتق إلى وقت العلوق أيضاً، وكذلك إذا ملك معه أمه وقد ملكها في حالة الصحة لا سعاية على الأم؛ لأن الأم لا تسعى لو ملكهما في حالة المرض لما تبين فههنا أولى.

هذا إذا ملك العبد في حالة الصحة وحده أو مع المرض وادعى نسب الولد ثبت الولد منه وعتق عليه، وهل يجب على الولد السعاية؟ فهذا على وجهين.

الأول: أن لا يكون للمريض مال يخرج العبد من ثلثه، وفي هذا الوجه تجب السعاية بخلاف ما لو ملكه في حالة الصحة لأنه متى ملكه في المرض كان معتق المرض، لما ذكرنا أن العتق يستند إلى وقت التملك، والتملك كان في حالة المرض فيكون معتق المرض، ومعتق المرض يعتبر عتقه من الثلث، فأما إذا ملكه في حالة الصحة كان معتق الصحة على ما ذكرنا فيعتبر عتقه من جميع المال.

ثم إذا وجب عليه السعاية في هذه الصورة ففي أي قدر يسعى؟ ذكر أن على قول أبي حنيفة: يسعى في ثلثي قيمته، وعندهما: يسعى في جميع قيمته إلا قدر ما يخص الميراث وهذا لأن المستسعى عندهما حر مديون، وليس بمنزلة المكاتب فيكون وارثاً ولا وصية للوارث، فكان عليه أن يسعى في جميع القيمة رداً للوصية إلا قدر ما يخصه من الميراث، فإن ذلك يطرح عنه لأنه يستحيل أن يسعى لنفسه، فأما على قول أبي حنيفة رحمه الله: فالمستسعى بمنزلة المكاتب والمكاتب لا يرث، فكانت الوصية صحيحة له بقدر الثلث فيسعى في ثلثي قيمته عند أبي حنيفة لهذا ولا يرث.

هذا إذا كان للمريض مال يخرج العبد من ثلث ماله، فأما إذا لم يكن للمريض مال يخرج العبد من ثلث ماله، فعلى قولهما: يرث منه ويسعى في قيمته إلا قدر ما يصيبه من الميراث، وهذا لما ذكرنا أن المستسعى حر مديون فيكون وارثاً ولا وصية للوارث، فيلزمه السعاية في جميع القيمة رداً للوصية إلا قدر ما يخصه من الميراث لما ذكرنا، فأما على قول أبي حنيفة: يرث ولا يسعى في شيء من قيمته، فقد جمع أبو حنيفة بين أمرين متغايرين، فإنه قال: يرث ولا يسعى، ومتى ورث يجب أن يسعى رداً للوصية؛ لأنه لا وصية للوارث، فإذا سعى لا يكون وارثاً؛ لأن المستسعى بمنزلة المكاتب، فقد جمع بين أمرين متضادين من هذا الوجه، وإنما فعل كذلك ضرورة الدور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015