من باب الحفظ، وعند أبي يوسف: أحد الأبوين ينفرد بالتصرف، فكان حضرة أحدهما كحضرتهما، فتكون ولاية التصرف في مال الصغير وحفظه للوالد الحاضر لا لوصي الأم.

فوجه قول أبي يوسف في ذلك: أن سبب الولاية النسب، والنسب يثبت من كل واحد منهما بالترويج، ولهذا لو ماتا يرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل، وإذا ثبت النسب من كل واحد منهما كملاً، فقد تفرد كل واحد بسبب الولاية فينفرد بالولاية.

وجه قول أبي حنيفة ومحمد في ذلك: أن الأب أحدهما: على الحقيقة؛ والآخر: أجنبي حقيقة لما ذكرنا، ولهذا لو مات يرثانه ميراث أب واحد؛ لأنه لو تفرد أحدهما بالتصرف ربما يكون المتصرف في مال الصغير غير الأب وإنه لا يجوز، كانت قضيته ما ذكرنا أن لا ينفرد كل واحد بالتزويج لكنا تركنا هذه القضية، ثم لضرورة أن النكاح لا يتجزأ، فإذا دل الدليل على ثبوته لهما، وإنه لا يتجزأ ثبت لكل واحد كملاً ضرورة هذه الضرورة معدومة في التصرف في المال، لأن التصرف في المال يتجزأ؛ لأن محله متجزئ، وإذا دل الدليل على ثبوته لهما أمسى مشتركاً بينهما، وشرطنا اجتماعهما حتى لا يكون التصرف في مال الصغير غير الأب.

وإنما ورث هذا الابن من كل واحد منهما ميراث ابن كامل، وورثا منه ميراث أب واحد، لأن الأب أحدهما على الحقيقة، فكل واحد منهما أقر أنه ابنه وأنه أبوه، وإقرار الإنسان على نفسه صحيح ولنفسه باطل، ففيما يرجع إلى استحقاق الابن هذا إقرار على نفسه فكان صحيحاً، فكان استحقاق الابن بحكم الإقرار وقد أقر كل واحد منهما أنه ابنه، فكان له من كل واحد منهما ميراث ابن كامل، أما فيما يرجع إلى استحقاق الأب بناءً على الحقيقة لا بحكم الإقرار، وفي الحقيقة الأب واحد منهما، فثبت استحقاق ميراث أب واحد، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فيكون ذلك بينهما.

قال: ولو مات أحد الوالدين بعد موت الأم ولم يدع وارثاً غير هذا الصغير، وأوصى إلى رجل والوالد الآخر حاضر، فالميراث كله للصغير، وولاية التصرف في التركتين للأب الباقي لا لوصي الولد الميت، ولا لوصي الأم، لما روينا من حديث عمر وعلي رضي الله عنهما، وهو للباقي منهما، وليس المراد من خلوص النسبة خلوص أحكام النسبة، ومن أحكام النسبة الولاية، ولأنا إنما أثبتنا أحكام الأبوة في حقهما لمكان المزاحمة وعدم الأولوية، والذي مات زالت مزاحمته والحي يدعي الولد، فتقررت الأبوة عليه..... أولى بالولاية من غيره.

فرق بين هذه المسألة وبينما إذا أوصى إلى رجلين ثم مات أحد الوصيين فأوصى إلى رجل؛ فإن وصي الميت يزاحم الوصي الحي في التصرف، وههنا وصي الوالد الميت لا يزاحم الوالد الحي في التصرف، والفرق في مسألة الوصيين أن الإيصاء من الميت قد صح؛ لأن بالموت لا يبين أنه لم يكن وصياً، وللوصي ولاية الإيصاء فيصح الإيصاء،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015