وقام الوصي مقام الميت، وقد كان للميت حال حياته أن يزاحم الوصي الآخر في التصرف؛ فكذا لمن قام مقامه، وفي مسألتنا الإيصاء من الميت لم يصح؛ لأن بعد موت أحدهما يتعين الباقي أباً، ويخرج الميت من أن يكون أباً، فتبين أنه لم يكن للميت ولاية الإيصاء، فلم يصح الإيصاء، فلا يثبت له حق المزاحمة
قال: ولا يضم القاضي إلى الوالد الباقي في وصيه ليتصرف هو معه، فرق بين هذا وبين الوصيين؛ إذا مات أحدهما، فالباقي لا ينفرد بالتصرف عن أبي حنيفة ومحمد بل يضم القاضي إليه وصياً آخر ليتصرف معه، والفرق وهو أن الأب يتصرف لمعنى في نفسه، فإن الأبوة علة مفيدة لولاية التصرف، لكن لم ينفرد أحدهما بالتصرف حال حياتهما؛ لأن أحدهما لم يتعين أبا، وبعد موت أحدهما تعين الباقي أباً، فينفرد بالتصرف، فأما الوصي فلا يتصرف لمعنى في نفسه، إنما يتصرف بحكم التفويض والمفوض لما فوض التصرف إلى المثنى، فقد رضي برأي المثنى، والراضي برأي المثنى لا يكون راضياً برأي الواحد، فيضم القاضي إلى الحي وصياً آخر ليكون المتصرف مثنى؛ طلباً لرضى المفوض بقدر الإمكان.
قال: وإن كان الوالد الباقي غائباً كان لوصي الأم حفظ ما ترك للأم، وما كان من باب الحفظ، أما وصي الأم فلأنه قائم مقام الأم، وقد كان للأم حفظ مال الصغير حال غيبة الوالد فكذا لمن قام مقامهما، وأما وصي الوالد الميت، فلأن حكم الأبوة وإن بطلت بالموت (238ب4) فولاية الحفظ لم تبطل، وهذا لأن بالموت إن تبين أن الميت لم يكن أباً لم يتبين أن الصغير لم يكن في عياله، فلا يتبين أنه لم يكن له ولاية الحفظ، فيصح الإيصاء في حق الحفظ، إن لم يصح في حق ولاية التصرف قام الوصي مقام الميت في حق الحفظ ولا يتعدى حفظ كل وصي إلى التركة الأخرى؛ لأن تعديه إلى التركة الأخرى باعتبار الولاية على الصغير، وليس لواحد من الوصيين ولاية مطلقة على الصغير، وإن مات الوالد الباقي بعد ذلك وأوصى إلى رجل فوصيّه يكون أولى بمال الصغير من وصي الأب الذي مات أولى من وصي الأم، فلأن الوصي قائم مقام الموصي، والولي الباقي حال حياته كان أولى بمال الصغير، فكذا وصيّه بعد وفاته.
فإن كان الأب الذي مات أولاً أباً هو جد هذا الغلام؛ والمسألة بحالها، فوصيُّ الأب الذي مات أولاً بالتصرف في مال الصغير، وكذلك لو كان الأب الذي مات آخراً أباً هو جد هذا الغلام كان وصيّه أولى من أبيه، وإنما كان وصي الأب الذي مات آخراً هو جد أولى من أبيه؛ لأن الوصي قائم مقام الموصي، وقد كان الأب الذي مات آخراً حال حياته أولى من أبيه، فكذا من قام مقامه، وإذا كان أولى من أب الميت الذي مات آخراً مع أنه استقرت أُبوَّة فلان تكون أولى من أب الميت الذي مات أولاً، وقد بطلت أبوته بالموت كان أولى.
وإن مات وصي الأب الذي مات آخراً وأوصى إلى غيره وباقي المسألة بحالها فوصيُّه أولى ممن سمينا؛ لأنه قائم مقام الموصي، وقد كان الموصي حال حياته أولى،