وأصل آخر وهو أن الولاية نوعان: ولاية التصرف والمصالح وهي عامة، وولاية الحفظ: وهي قاصرة، وتخص بما يفتقر إلى الحفظ والتحصين، وولاية التصرف مستتبعة ولاية الحفظ فإن من ملك التصرف في شيء يملك حفظه؛ إذ التصرف لا يأتي بدون الحفظ فما دام ولاية التصرف ثابتة لأحد كان له ولاية الحفظ، فلا ضرورة إلى إثبات ولاية الحفظ بالإثبات فيجب إثباتها، وسنقرر هذه الجملة من خلال المسائل إن شاء الله تعالى.

إذا عرفنا هذا قال محمد رحمه الله: جارية بين رجلين جاءت بولد، فادعياه جميعاً ثبت النسب منهما لما مر في أصل الثابت، وصارت الجارية أم ولد لهما، فلو أنهما أعتقا الجارية فاكتسبت أكساباً، ثم ماتت وأوصت إلى رجل فلم يدع وارثاً غير ابنها هذا، وهو صغير لم يبلغ؛ كان ولاية التصرف في مال الولد، وحفظه للوالدين لا لوصي الأم.

أما ولاية التصرف: فلأن وصي الأم قائم مقام الأم يستفيد الولاية من جهة الأم، ولم تكن للأم ولاية التصرف في مال الولد حال حياتها، وإنما الولاية للأبوين فكيف تنتقل إلى وصيها؟. وأما ولاية الحفظ: فلأنه محفوظ بولاية الأبوين تبعاً لولاية التصرف؛ فلا حاجة إلى إفراد ولاية الحفظ بالإثبات، فإن غاب الوالدان ظهر الآن ولاية الوصي، فثبت له ولاية الحفظ؛ لأنه مست الحاجة إليه، وللأم ولاية حفظ مال الصغير في هذه الحالة، فكذا لمن قام مقامها، ولكن إنما تثبت له الولاية فيما ورث الصغير من الأم، وفيما كان للصغير قبل موت الأم، وفيما كان للصغير لا في مال يحدث للصغير بعد ذلك، وهذا لأن وصي الأم استفاد الولاية من جهة الأم، فتقدر ولايته بقدر ما كان للأم والذي كان للأم هذا القدر، وكما تثبت له ولاية الحفظ تثبت له ولاية كل تصرف هو من باب الحفظ، نحو بيع المنقول وما يتسارع إليه الفساد، وهذا لأن المنقول وما يتسارع إليه الفساد مما يترادف عليه أسباب التوى والتلف، وبالبيع يقع الأمن عن بعضها، فكان البيع من باب الحفظ فملكه من حيث أنه حفظ، ألا ترى أن الأم ملكت ذلك حال غيبة الأبوين؛ وإنما ملكت من حيث أنه حفظ.

وليس له أن يبيع العقار ولا أن يتصرف في الدراهم والدنانير، أما العقار فلأنها محصنة بنفسها لا يخشى عليه التوى والتلف، فلا يكون نفعها من جملة الحفظ لملكه من حيث أنه حفظ، ألا ترى أن الأم لا تملك بيع العقار، وصرف الدراهم والدنانير للصغير حال غيبة الأبوين، وإنما لم يملكه لما قلنا.

وإن غاب أحد الوالدين والآخر حاضر، فكذلك الجواب عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن عندهما أحد الأبوين لا ينفرد بالتصرف إلا في أشياء معدودة على ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى، فكأن غيبة أحدهما كغيبتهما، فيثبت لوصي الأم ولاية الحفظ، وما كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015