الوجه الثاني: إذا كان الغلام والأمة مدعيان ذلك، وفي هذا الوجه تقبل بينتهم لأنهما بهذه البينة يثبتان الحق لأنفسهما وهو النكاح على الميت، ويعتق الغلام وتصير الجارية أم ولد له، وإقراره حجة عليه، فبعد ذلك إن كان هذا الإقرار من المولى في صحته بغير العتق من جميع المال، وإن كان في مرضه يعتبر من الثلث.
الوجه الثالث: إذا ادعى الغلام ذلك وفي هذا الوجه تقبل هذه البينة، ويكون الجواب فيه كالجواب فيما إذا ادعى الغلام والأمة ذلك جميعاً، وكذلك ادعت الأمة التزويج تقبل بينتها؛ لأنها تثبت حقاً لنفسها.
قال: ولو كان العبد غائباً حال ما أقامت الورثة البينة، يوقف حكم هذه البينة حتى يحضر العبد؛ لأنه ربما يدعي فتقبل البينة وربما ينكر فلا تقبل هذه البينة، فإذا حكم قبول هذه البينة يختلف بدعواه وإنكاره، يجب التوقف إلى وقت حضوره والله أعلم.
نوع آخر في الجارية إذا جاءت بولد وادعاه الموليان ما يجوز لأحدهما عليه من البيع أو الشراء أو غير ذلك، ويدخل فيه ما إذا مات أحد الولدين أو كلاهما وترك وصياً واحداً هذا النوع ينبني على أصول
أحدها: أن النسب مما يمكن إثباته من غير الواحد حتى إن الأمة إذا كانت بين رجلين جاءت بولد فادعياه، ثبت النسب منهما. والأصل في ذلك: ما روي أن شريحاً رضي الله عنه كتب إلى عمر رضي الله عنه يسأله عن أمة بين رجلين جاءت بولد فادعياه جميعاً، فكتب إليه في الجواب: هو ابنها يرثها ويرثانه، وهو للباقي منهما، وهكذا روي عن علي رضي الله عنه رجوعاً عما قال في الابتداء إنه يقرع بينهما. فهما نصا بثبوت الولد منهما، ولم ينقل من غيرهما خلاف ذلك فكان إجماعاً.
وفي الحقيقة الأب أحدهما؛ لأن الأبوة بسبب الانخلاق من مائِهِ، والولد مخلوق من ماء أحدهما لا من مائهما؛ لأن الولد لا يتخلق من ماء الذكرين إلا أن النسب منه ليس بمقصود، وإنما المقصود أحكامه، ولا تنافي في حق الأحكام، وقد وجد (238أ4) الدليل المقتضي لذلك في حق كل واحد منهما، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر، فيعمل به في حق كل واحد منهما في حق الأحكام، فبعد ذلك: ما كان قابلاً للانقسام والتحري من أحكام النسب يثبت بينهما ويشتركان، وذلك كولاية التصرف في المال وما أشبه، وما لا يكون قابلاً للانقسام والتحري يثبت لهما جميعاً لكل واحد كملاً، وذلك كولاية الإنكاح وما أشبهه، هذا هو الأصل فيما لا يتحرى، فإذا دل الدليل على ثبوته لشخصين.
وأصل آخر أن ولاية الوصي تتعدد بقدر ولاية الموصى؛ لأنه يستفيد الولاية من جهة الموصي إذ الإيصاء إقامة الوصي مقام نفسه بعد الموت في حق ولاية التصرف، فينتقل إلى الموصي ما له من الولاية عند الموت.