الأول: أن تكون الأمة معروفة أنها للمقر له، وفي هذا الوجه الأمة والولد رقيقان للمقر له؛ لأنه لم يثبت الولد حقيقة بالعتق، ولا للجارية حق العتق بدعوة المستولد؛ لما كانت الأمة معروفة بكونها للمقر له، وإن كانت الأمة غير معروفة بأنها ملك المقر له، فالولد حر ثابت النسب من صاحب اليد، والأمة أم ولد له لأنها كانت مملوكة له ظاهراً بحكم يده، فصحت دعوته، ويثبت للولد حقيقة الحرية وللجارية حق الحرية بناء على هذه الدعوى، فهو بهذا الإقرار يريد أن يبطل ما ثبت لهما من الحق، فلا يصدق على ذلك، ولكن يضمن قيمتها لأن إقراره صحيح في حقه، وقد صار مستهلكاً الجارية عليه بدعوته، فإنه لولا دعوته لما ثبت لها حق العتق، فيضمن قيمتها للمقر له بحكم الاستيلاد، ولايضمن العقر؛ لأنه ضمن قيمة الجارية وإنه كما بدلها فلا يضمن ما دونها.
وإن كان لا يعرف أصل هذه الجارية أنها لمن؛ قال صاحب الجارية: بعتكها، وقال أب الولد: زوجتني، أو كان على العكس فإن الولد ثابت النسب ويكون الولد حراً والجارية أم ولد، ويضمن الولد قيمتها للمقر له، وهذا لما ذكرنا أن الحق قد ثبت للولد والجارية بدعوته من حيث الظاهر، فهو بهذا الإقرار يريد إبطال ذلك الحق فلا يقدر عليه، ويضمن أب الولد قيمتها لما مر ولا عقر لما مر أيضاً.
وإن كان يعرف أن الأصل للمقر له، فإنه يأخذ الجارية وولدها مملوكين له؛ ما خلا خصلة واحدة أن يقر المقر له أنه باعها من أب الولد فحينئذٍ لا سبيل له على الجارية؛ لإقراره بخروجها عن ملكه بالبيع، ولا يغرم أب الولد قيمتها في هذا الفصل؛ لأن احتباسها عند صاحب اليد كان بإقرار المقر له أنه باعها، ألا ترى أنه لو أنكر ذلك تمكن من أخذها وأخذ ولدها، وإذا لم يضمن قيمتها في هذه الصورة ضمن العقر لأن العقر فيما تقدم إنما لم يجب لوجوب كمال بدل النفس، ولم يجب ها هنا بدل النفس، فيجب العقر والله أعلم.
نوع آخر في الرجل يقر لصبي في يديه أنه ابنه، وقال ورثته بعد موته: إن أبانا كان زوج هذه الأمة وهذا الولد ولد العبد
وإذا أقر الرجل بصبي في يديه أنه ابنه من أمته ولد على فراشه، ثم مات الرجل فطلب الغلام الميراث وادعى أخواه أن أباهم قد كان زوج هذه الأمة عبده قبل أن يلده بثلاث سنين ولدت هذا الغلام على فراش العبد، فهذا على وجوه:
أحدها: أن يكون الغلام والأمة منكران ذلك، وفي هذا الوجه لا تقبل بينتهم؛ لأنهم بهذه البينة لا يثبتون لأنفسهم حقاً، إنما يثبتون النسب للعبد، وهو مكذب جاحد لهم، وإثبات الحق لمن ينكر ثبوته ممتنع لأن غرضهم من هذه البينة نفي نسب هذا الولد عن المولى حتى لا يزاحمهم في الميراث، والبينة على النفي لا تقبل.