أحرى أن يكون أولى، وإن كان الابن محتاجاً والغلام موسر، وادعى أنه ابنه ليثبت نسبه منه ويفرض له عليه النفقة، وأقام على ذلك بينة وجحد الغلام ذلك، وأقام بينة أنه ابن فلان سمى رجلاً آخر فأحضره أو لم يحضره وفلان يجحد، فالبينة بينة الأب، ويقضي له على الغلام بالنفقة، وتبطل بينة الغلام على الآخر.
قال ثمة: ولست أقضي بنسب رجل من رجلين إلا أن يستوي في حالهما في الدعوى والبينة، وفي كل شيء حتى لا أجد سبيلاً إلى أن أقضي لأحدهما دون الآخر، وأما إذا كان أحدهما أولى بالدعوى من الآخر بأن يستحق بالنسب شيئاً لا يستحقه الآخر كان أولى بالنسب.
وفي «المنتقى» أيضاً: لو أن غلامين توأمين مات أحدهما وترك مالاً والآخر فقير محتاج؛ فجاء رجل وادعى أنه أبوهما ليأخذ الميراث، وأقام على ذلك بينة ليأخذ الميراث، وادعى الزمن على رجل آخر أنه أبوهما، وأراد أن يقضي القاضي له عليه بالنفقة؛ وأقام على ذلك بينة وغاب البينتان معاً، فالقاضي يقضي بنسب الغلامين من الأبوين؛ ويفرض نفقة الزمن عليهما جميعاً؛ لأن كل واحد منهما يدعي بالنسب حقاً على غيره فاستوى حالهما في الدعوى.
وفي «المنتقى» أيضاً: امرأة خاصمت عمها إلى القاضي وطلبت من القاضي أن يفرض لها النفقة على العم، وهي محتاجة، فقال العم: إن لها أخاً موسراً فهو أولى بالنفقة عليها مني، وأنكرت المرأة ذلك، فإن القاضي يبرأ العم من النفقة ويقول لها: إن شئت فرضت لك النفقة على الأخ قال ثمة: ولا يشبه هذا الأبوين، ثم قال: ألا ترى أني أقبل بينة العم بعدما ثبت نسبه أن لها أخاً، ولا أقبل البينة بعدما ثبت نسب أحد الأبوين بأن الآخر أبوه.
وفي بعض الفتاوى: مجهول النسب إذا ادعى على رجل أني ابنك؛ وصدقه المدعى عليه يثبت النسب منه، وإن كذبه في دعواه وأقام بينة أنه ابنه يثبت النسب منه؛ وما لا فلا، وقد مرت المسألة من قبل، فإن أقام المدعى عليه بينة بعد ذلك أن هذا المدعي ابن فلان آخر تبطل بينة الابن، ولكن لا يقضى ببينة ابن فلان الآخر، لأن المدعى عليه ليس بخصم عنه في إثبات النسب منه.
هكذا ذكروا وقد ذكرنا عن «المنتقى» مسألة الزمن؛ إذا ادعى على رجل أنك أبي؛ وأقام عليه البينة، وأقام المدعى عليه البينة أنه ابن فلان الآخر أن البينة بينة الابن؛ لا يلتفت إلى البينة الأخرى، فما ذكر في بعض الفتاوى يخالف ما ذكر في «المنتقى» .
إذا قال في دعوى البنوة: هذا ابني، ولم يقل: ولد على فراشي، فهذا دعوى صحيحة، وإذا أقام البينة تسمع بينته، وقضي ببنوته، وإذا قال: هذا الولد ليس مني، صح قوله الثاني، وحكم بثبوت النسب منه، وإذا ادعى أنه ابن عم فلان فلا بد فيه من ذكر الجد، وإذا ادعى أنه أخ فلان لا يشترط فيه ذكر الجد، هكذا حكي عن القاضي الإمام شمس الأئمة محمود الأوزجندي.