والمقضي له بالأرش إن كان صاحب اليد في حق الأرش فهو خارج في حق البرذون، فلماذا ترجحت بينة المقضي له بالأرش لما كان خارجاً في حق الأصل وهو البرذون، فعند تعذر الجمع بينهما كان الترجيح لبينة من هو خارج في حق الأصل.
فإن قيل: إذا أقام البينة تترجح بينة المقضي له وتصير دافعة بينة الذي جاء بالبرذون، فلما لا تصير بينة الذي أقامها المقضي له قبل هذا دافعة بينة الذي جاء بالبرذون حتى لا تقبل بينة الذي جاء بالبرذون، وإن لم يعد المقضي له بينة.
قلنا: لأن ذلك البينة قامت على الفاقيء لا على الذي أحضر البرذون، وبينة الذي أحضر البرذون قامت على الفاقيء وهو المقضي له بالأرش فكانت بينة المقضي له على الأرش على إثبات ملكه في البرذون في حق الذي أحضر البرذون، ولم يقم عليه وجودها والعدم بمنزلة.
نوع آخر
ذكر الخصاف في «كتاب الحيل» : رجل في يديه رهن، والراهن غائب فأراد المرتهن أن يثبت الرهن حتى القاضي يستحل له بذلك ويحكم بكونه رهناً في يديه.
فالحيلة في ذلك: أن يأمر المرتهن رجلاً غريباً حتى يدعي رقبة هذا الرهن ويقدم المرتهن إلى القاضي، فيقيم المرتهن بينة عند القاضي أنه رهن عنده، فيسمع القاضي بينته على الرهن ويقضي بكونه رهناً عنده ويدفع عنه خصومة الغريب، وهذا تنصيص من الخصاف أن البينة على الرهن مقبولة وإن الراهن غائب، وهكذا ذكر محمد في «الجامع» في المسألة المخمسة قالوا: وذكر محمد هذه المسألة في كتاب الرهن وشوش فيه الجواب في بعض المواضع شرط حضرة الراهن لسماع البينة على الرهن، وفي بعضها لم يشترط.
والمشايخ قد اختلفوا فيها؛ بعضهم قالوا: الصواب أنه لا يشترط حضرة الراهن وما ذكر في بعض المواضع في كتاب «الرهن» أنه يشترط حضرة الراهن وقع غلطاً من الكاتب، وجعل هذا القائل مسألة الرهن نظير مسألة الوديعة والإجارة والمضاربة، فإن صاحب اليد إذا أقام بينة على أن هذا العين وديعة عنده من جهة فلان أو مضاربة، أو غصباً، أو إجارة، فالقاضي يسمع بينته فهاهنا كذلك.
وبعض مشايخنا قالوا: في المسألة روايتان؛ في إحدى الروايتان تقبل هذه البينة؛ لأن الراهن لما رهنه فقد استحفظه، فإذا تعذر عليه الحفظ إلا بإقامة البينة، وإثبات الملك للراهن صار خصماً في ذلك، كما في الوديعة وأشباهها، وفي رواية أخرى: القاضي لا يقبل هذه البينة لإثبات الرهن على الغائب، وإليه مال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله؛ وهذا لأن في قبول هذه البينة لإثبات الرهن قضاء على الغائب، ولا حاجة لصاحب اليد على إثبات الرهن ليدفع الخصومة عن نفسه، فإن بمجرد اليد تندفع عنه الخصومة، كما لو أقام بينة أنها وديعة في يده، وقد أجابه بهذا في نظائره في «السير الكبير» ، فقد ذكر في