البرذون فغائب فلا يمكنه إراءة البرذون إلا بكلفة ومشقة.
وكان بمنزلة ما لو ادعى على غيره أنه شج أباه، وأبوه ميت فالقاضي لا يأمره بإحضار أبيه، وزان مسألة البرذون من مسألة الشجة أن لو كان البرذون حاضراً، ولو كان البرذون حاضراً، فالقاضي لا يقضي للمدعي بأرشه حتى يري البرذون القاضي، لأنه يمكنه إراءة من غير مشقة، قال: ولو جاء رجل بعد ذلك والبرذون المفقوءة عينه في يده وهو يزعم أن البرذون له، وطلب من القاضي أن يأمر المقضي له بالأرش حتى يدفع الأرش إليه، فالقاضي لا يلتفت إلى قوله ولا يأمر المقضي له بالأرش حتى يدفع الأرش إليه ما لم يقم البينة أن البرذون له وأن المدعى عليه فقئ عينه وهو يومئذٍ له، مع أن القول قوله أن البرذون له.
وأن ما كان كذلك لأن العين ليس في يده ليجعل القول فيه قوله بخلاف البرذون؛ لأن البرذون في يده فأمكن أن يجعل القول فيه قوله، ولعل الذي في يديه البرذون من جهة المقضي له بالأرش بعدما فقئت عينه، ولأنا إنما حكمنا له بالبرذون بظاهر يده، والظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق، والأرش والظاهر لا يصلح بذلك، فإن أقام الذي في يديه البرذون بينة أن البرذون له، وأن هذا المدعى عليه فقئ عينه، وهو يومئذٍ له قضي بالأرش له؛ لأنه ظهر ببينته أنه كان صاحب ملك ويد البرذون يوم الفقئ، وظهر أن بينة المقضي له بالأرش قامت على غائب ليس عنه خصم حاضر إذ البينة حجة في حق الناس كافة فبطلت بينة المقضي له بالأرش.
فإن قيل: ينبغي أن لا تقبل بينة الذي جاء بالبرذون أن البرذون له لأنه صاحب اليد في حق البرذون.
قلنا: نعم إلا أن بينة ذو اليد لا تقبل إذا أقامها لاستحقاق ما في يده، والذي جاء بالبرذون إنما أقام البينة لاستحقاق الأرش، وهو في حق الأرش خارج، ألا ترى أن المشتري للدار إذا أنكر كون الدار في يد الجار ملك الجار فأقام الجار البينة أن الدار التي في يده داره قبلت بينته، وإن كان هو صاحب يد؛ لأن غرضه من إقامة هذه البينة استحقاق ما ليس في يده وهي الدار المشتراة، كذلك في مسألتنا فإن عارضه المقضي له بالأرش فأقام بينة أن البرذون له وأن هذا المدعى عليه فقئ عينه وهو يومئذٍ له فبينة المقضي له بالأرش أولى لأنه خارج.
ألا ترى أن المشتري لدارٍ إذا أنكر كون الدار في يد الجار ملك الجار، فأقام الجار البينة أن الدار التي في يديه داره قبلت بينته وإن كان هو صاحب يد، لأن غرضه من إقامة هذه البينة استحقاق ما ليس في يده وهي الدار المشتراة، كذلك في مسألتنا، فإن عارضه المقضي له بالأرش، فأقام بينة أن البرذون له، وأن هذا المدعى عليه فقئ عينه، وهو يومئذٍ له فبينة المقضي له بالأرش أولى؛ لأنه خارج في حق البرذون، والآخر صاحب اليد في حق البرذون، وبينة الخارج في خلاف الملك عندنا أولى.
فإن قيل: الآخر إن كان صاحب يد في حق البرذون فهو خارج في حق الأرش،