ولو ادعى الشراء من ذي اليد منذ شهر وأقام البينة قبلت بينته في دفع بينة المدعي، لأنه يبين أنها قامت على غير خصم ويقال: للمدعي أعد بينتك على الذي حضر أن تثبت لأن بينتك الأولى قد بطلت.
رجل في يديه دار جاء رجل وادعى أنها له اشتراها من ذي اليد منذ سنة بكذا ونقد الثمن، وإن لم يقبضها وقال صاحب اليد: لا بل بعتها من فلان منذ شهر وسلمتها إليه، ثم أودعنيها وغاب، فالقاضي يسأل المدعي من دعوى صاحب اليد إن صدقه في ذلك فلا خصومة بينهما لما مر.
وإن لم يعلم القاضي ذلك أيضاً فأراد ذو اليد إقامة البينة على البيع من الغائب فالقاضي لا يقبل بينته ولا تندفع خصومة المدعي لما مر في المسألة الأولى؛ ولأن الغائب لو كان حاضراً، فأقام البينة على الشراء منذ شهر كانت بينة المدعي أولى وقضى بالدار للمدعي؛ لأنه أسبقهما تاريخاً فهاهنا كذلك.
وإذا لم تندفع خصومة المدعي في هذه الصورة وقضى القاضي ببينته بالبيع منه منذ سنة ثم حضر الغائب وأقام بينته على البيع منه منذ شهر، فالقاضي لا يسمع بينته ولا يقضي له بالدار؛ لأن من ضرورة القضاء للمدعي بالشراء منذ سنة بطلان كل شراء بعده، فهذه بينة قامت على شراء باطل، فلا يسمع، ولو أن القاضي سمع بينة المدعي في هذه الصورة، ولكن لم يقض بها حتى حضر الغائب وأقام بينة على ما قال صاحب اليد، قبلت بينته في دفع بينة المدعي وجرحها لقيامها على غير الخصم، وليس للمدعي فيه ضرر؛ لأنه تتحول الخصومة إلى الذي أحضر، ويقال للمدعي: أعد بينتك على الذي حضر، فإن أعاد كان أولى لسبق تاريخه، وإن لم يعد لا يقضى له بشيء، ولو أن الغاصب حين حضر قبل القضاء ببينة المدعي لم يقم بينة على ما قال صاحب اليد فيما قال: لا تندفع الخصومة لأن المدعي لما أقام البينة على ما ادعى فقد استحق القضاء بها، فلا يبطل هذا الحق بمجرد تصديق الذي حضر، ولو أن الغائب حضر بعدما قضى القاضي بالدار للمدعي ببينته قضى بالدار له؛ لأنه أسبق في التاريخ، وإنه ليس بمقضي عليه، لأن قضاء القاضي على صاحب اليد بالشراء منه منذ سنة؛ يكون قضاءً على من يدعي تلقي الملك من جهته بعد سنة لا قبلها.
رجل اشترى من آخر داراً وقبضها فجاء رجل وادعى أنه شفيعها وأقام على ذلك بينة فقال صاحب اليد: قد بعتها من فلان وقبضها مني ثم أودعنيها وغاب، فالقاضي يسأل الشفيع عن دعوى صاحب اليد، فلا خصومة بينهما لما قلنا.
وإن لم يعلم القاضي ذلك أيضاً، فأراد صاحب اليد أن يقيم بينة على ما ادعى، فالقاضي لا يسمع بينته، ولا تندفع خصومة الشفيع في هذه الصورة، وقضى القاضي له بالدار ببينته؛ لأن قضاء القاضي بالدار للشفيع يوجب بطلان كل تصرف باشره المشتري؛ لأن حق الشفيع مقدم على حق المشتري، فهذه بينته قامت على تصرف جرى الحكم ببطلانه فلا يلتفت إليه، ولو سمع القاضي بينة الشفيع ولكن لم يقضِ بها حضر الغائب،